موصى به لك

    الأقسام

    روايات تاريخية

    معارك ملحمية، مؤامرات، وأبطال منسيون

    ... ...

    روايات فانتازيا

    ممالك مفقودة وسيوف أسطورية، هنا تبدأ المغامرة

    ... ...

    روايات رومانسية

    لم تكن تعلم أن حياتها ستتغير بتلك النظرة

    ... ...

    روايات رعب

    السحر والكتب يخفون أسراراً لا تريد معرفتها

    ... ...

    روايات خيال علمي

    سافر عبر الزمن بتكنولوجيا تتحدى الخيال

    ... ...

    روايات مافيا

    عالم الجريمة المنظمة حيث القوة هي القانون

    ... ...

    روايات كورية

    اجمل القصص الكوريه المترجمه والكيدراما

    ... ...

    روايات اجتماعية

    صراعات يومية تعكس حقيقة الحياة التي نعيشها

    ... ...

    الأفضل شهرياً

      نجمه الغرب الأمريكي

      نجمة الغرب الأمريكي

      بقلم,

      تاريخيه

      مجانا

      ست شقرا وصلت لبلد في الغرب الأمريكي سنة ١٨٦٩ وهي مفلسة ومحتاجة مساعدة. بسبب يأسها، بتضطر تدخل صالون "ممنوع للسيدات" عشان تدور على سواق عربية الحنطور. الرجالة في الصالون بيفتكروها بنت ليل وواحد منهم بيتحرش بيها ويحاول يخطفها. وهي بتدافع عن نفسها، بتقوم خناقة كبيرة بتكسر الصالون كله. في وسط الخناقة دي، بيدخل المأمور "مورجان" وياخد بوكس يغمى عليه، ولما بيفوق بيلاقي نفسه متورط في المشكلة دي وهي السبب فيها.

      أبيجيل

      ظروفها صعبة جداً ومفلسة واتسابت لوحدها. هي جريئة وعندها كرامة (زي ما ضربت الراجل بالقلم)، بس في نفس الوقت مرعوبة من الموقف اللي هي فيه. عنيدة وباين عليها مش هتسكت على إهانة.

      مورجان

      مأمور البلد. راجل عملي و"خشن" وشايف شغله. هو دخل الصالون في أسوأ وقت ممكن، وكان كل همه يشرب حاجة ويريح، بس لقى نفسه في نص خناقة ووشه اتكسر. واضح إنه مش بيفهم في الستات الرقيقة أوي (شايفها "رفيعة زيادة") ومتضايق منها عشان بوظت له يومه.

      فيرنون

      راجل مادي وبتاع شغله، وشايف إن أبيجيل "جابت لنفسها الكلام" بدخولها مكان ممنوع، وهو اللي بلغ المأمور إنها السبب.
      نجمه الغرب الأمريكي
      صورة الكاتب

        إقليم مونتانا، ١٨٦٩
      
      دخولها للصالون في عز النهار مكنش أذكى حاجة عملتها في حياتها، بس إيه الاختيار اللي كان عندها؟
      
      حروف حمرا عريضة مكتوبة بخربشة على حتة خشبة كانت متعلقة جنب باب الصالون. كان مكتوب عليها "ممنوع دخول السيدات"، والحبل اللي ماسكها كان مهتري لدرجة إن اليافطة كلها كانت متعلقة بميل غريب. أبيجيل طنشت التحذير وقربت من المبنى، وبصت يمين وشمال على الممشى الخشب عشان تشوف لو حد بيراقبها. مفيش حد. سكان ويلو كريك كانوا رايحين جايين، كل واحد في حاله، وهي فضلت ده. كل ما لفتتش الانتباه لنفسها، كل ما كان أحسن لها. حطت إيدها على الباب المروحي بتاع الصالون واتسندت على طراطيف صوابعها وبصت من فوقه، عشان تاخد بَصة جوه.
      
      ترابيزات كانت متنطورة في الأوضة، أغلبها متغطي بقماش جوخ أخضر. رجالة كانوا مفرودين حوالين ترابيزات القمار، وشوية تانيين واقفين سانين على البار المزخرف اللي واخد الحيطة الشمال كلها. أكبر مراية شافتها في حياتها كانت متعلقة وراه، مخلياها تلمح آخر الأوضة. كان فيه بيانو محطوط على الحيطة اليمين، وراجل قاعد وراه بيطلع نغمات معدنية سريعة في لحن مبهج.
      
      كان فيه سلم قريب من البيانو، وبَصة لفوق ورتها بلكونة محوطة الأوضة الرئيسية. كان باين عدد من الأبواب فوق، كلها مقفولة. اليافطة اللي جنب كتفها الشمال مكنتش صح أوي، هي أدركت ده، لما شافت الستات اللي كانوا واقفين يتمختروا فوق عند السلم. كان فيه ستات جوه صالون "الدايموند باك" بس صعب يتقال عليهم "سيدات". فساتينهم الستان الزاهية كانت كاشفة أكتر من هدوم أبيجيل الداخلية، وده، مع الريش الباهت اللي في شعرهم، إداها انطباع إنهم زي الطيور الملونة. مصطلح "الحمامة الملطخة" جه في بالها، وأبيجيل عرفت دلوقتي أكيد التعبير ده جه منين.
      
      الرجالة اللي جوه المكان كانوا خليط من رعاة البقر المتربين لحد ناس عايشين عيشة أرقى. كلهم كان عندهم صفة واحدة مشتركة، مشروباتهم القوية في إيديهم والاهتمام اللي بيدوه للستات اللي بيلفوا في المكان. الرجالة اللي جوه "الدايموند باك" مكنش شاغل بالهم حاجة في الدنيا، على ما يبدو. عكسها هي. هل هي هتخلي الأمور أسوأ لو غامرت ودخلت؟
      
      أبيجيل لفت ورجعت تاني لحد طرف الممشى الخشب، وبصت على اللي سكان ويلو كريك بيعتبروه "بلد". صف متهالك من المباني على الناحيتين بتوع الطريق الموحل. "فندق الإمبراطوري" لفت انتباهها. بحيطانه المدهونة أبيض وستايره الملونة، كان باين وسط المباني التانية. في مكان صغير ومقطوع زي ويلو كريك، الفندق ده كان فعلاً أفخم حاجة موجودة. الاسم كان لايق عليه. كانت هتتجنن وتدخل الباب وتعرف هو فخم قد إيه من جوه. يمكن تاخد أوضة وتقضي باقي الليلة متعملش أي حاجة غير إنها تسترخي في بانيو فيه مية سخنة ونضيفة وتاكل لحد ما بطنها متقدرش تشيل تاني. الفلوس اللي فاضلة في قاع شنطة إيدها عملت صوت "تن" خفيف لما خبطتها في رجلها. هتبقى محظوظة لو معاها عملات كفاية تشتري عشاها. بصت على محطة عربية الحنطور، وكانت بتساءل لو الأكل اللي هناك أرخص من الأكل اللي هي عارفة إنه في الفندق.
      
      مكنش فارق كتير. أكلة واحدة مش هتحل مشاكلها. الحاجة الوحيدة اللي تقدر تعملها هي إنها تدخل الصالون وتلاقي الراجل الوحيد اللي ممكن يساعدها، ده لو افترضنا إنه هيساعد.
      
      لفت وفردت ضهرها، رمت بَصة سريعة على أبواب الصالون الواسعة قبل ما تندفع لقدام. زقة صغيرة على الأبواب المروحية كانت كل اللي محتاجاه عشان تدخل، وبمجرد ما حطت رجلها جوه على الأرضية اللي كلها نشارة خشب ومليانة بصق تبغ، ندمت على قرارها. كل واحد في الأوضة لف عشان يبصلها. مزيكا البيانو وقفت، وشخللة الكوبايات والدردشة سكتوا فجأة. أبيجيل سحبت نفس، رفعت دقنها ولفت ناحية البار، وشقت طريقها ناحيته وهي مطنشة نظرات الزباين اللي بيبصولها.
      
      "المفروض متكونيش هنا." الصوت الرجولي العميق بتاع عامل البار قطع ثباتها بس هي طنشته في الوقت اللي المزيكا والضحك بدأوا تاني.
      
      "أنا محتاجة مساعدة،" هي قالت، وهي بترسم ابتسامة عشان تحاول تكسب وده.
      
      "إلا إذا كنتي بتدوري على شغل، مقدرش أساعدك." هو ساب الكوباية اللي في إيده وحط الفوطة اللي كان بيحاول ينضفها بيها على كتفه. النظرة البجحة اللي رماها عليها كانت ممكن تكلف أي راجل تاني قلم على وشه الجريء. هي مكنتش هتجرب ده مع الراجل ده. ده غير إن آخر راجل ضربته بالقلم كان لسه بيطاردها.
      
      عامل البار ابتسم ورماها بنظرة تقييم تانية. أبيجيل قدرت تعرف من شكل وشه إنه فهم غلط خالص. "إحنا دايمًا محتاجين بنات جديدة هنا." ابتسم، وشنبه التخين اتلوى لفوق مع حركة بقه. "أنا متأكد إن الشباب هيخلوكي ست غنية في وقت قليل أوي."
      
      ضحك خليع من الرجالة اللي واقفين على البار جه بعد تعليقه وخلى وش أبيجيل يولع. هي كانت عارفة إن جلدها بقى مبقع من غير حتى ما تبص. دايمًا بيحصل كده لما وشها بيحمر وتعليقه خلاها جسمها كله يسخن. "لأ،" هي قالت، والصوت طلع مجرد صرخة مكتومة. "أنا مش بدور على شغل." بلعت ريقها اللي كان واقف في زورها وخدت نفس تاني عشان تهدا. "سواق عربية الحنطور دخل هنا من كام دقيقة. لو ممكن بس تشاورلي عليه، وأنا همشي على طول."
      
      عامل البار كان صغير. أو كان باين عليه كده. علامات الحياة المليانة المعتادة مكنتش خططت وشه. بشرته كانت واخدة تان خفيف بس من الشمس، شعره الأسود كان فيه شيب قليل أوي، والشنب النازل اللي مخبي كل حاجة ما عدا شفته اللي تحت اتقوس شوية وهو بيبتسم لها من فوق. هي ابتسمت له هي كمان، على أمل إن اللفتة الودودة دي تساعد. الطريقة اللي عينيه نزلت بيها على صدرها عرفتها العكس.
      
      "بيت مشغول حبتين دلوقتي،" عامل البار قالها، وهو بيميل ويسند إيديه على البار. "هو فوق مع الآنسة كلوي." هو شاور بعينه على بلكونة الدور التاني وأبيجيل عرفت سواق عربية الحنطور، بيت، بيعمل إيه. "دلوقتي، إلا إذا كنتي مستعدة تشتغلي فوق، يبقى أحسن لك تفلقي من هنا. اليافطة بتقول ممنوع دخول السيدات."
      
      "فاهمة." وهي بتبص من فوق كتفها، أبيجيل بصت حوالين الأوضة تاني. البيانو كان بيطلع لحن تاني ودردشة اللي جوه الصالون رجعت تاني والزباين رجعوا لألعاب الكوتشينة بتاعتهم. النشاط اللي بيحصل فوق كان واضح وسواق عربية الحنطور هياخد ساعات عشان ينزل. إلا إذا قدرت تخلي حد يطلع يكلمه. لفت تاني لعامل البار. "طيب ممكن تبعتله رسالة مني؟"
      
      دوشة جامدة حصلت عند الباب ومجموعة رجالة دخلوا متهاديين من الشارع. أبيجيل عرفت من شكلهم إنها المفروض متكونش جوه الصالون. صيع، من كل الأشكال. التراب والوساخة اللي على هدومهم كان هيبقى صعب تنضيفها، لو اتنضفت أصلاً. ريحتهم الوحشة ملت الهوا من نص الأوضة وشتيمتهم السوقية كانت كفاية تخلي خدودها تولع تاني.
      
      عامل البار إداها أمر خشن، "اطلعي بره من هنا يا آنسة، ومترجعيش تاني،" قبل ما يطنشها. أبيجيل مكنش عندها اختيار غير إنها تعمل زي ما قال. إنها تعمل دوشة هيلفت ليها الانتباه أكتر وهي متقدرش تغلط الغلطة دي.
      
      وهي ماسكة شنطتها جامد على بطنها، قالتله بصوت واطي "شكرًا،" ومشيت ناحية الباب والرجالة بيقربوا. كانت خلاص قربت توصل لما واحد من الرجالة مسكها، دراعه لف حوالين وسطها ورفع رجلها من على الأرض خالص، قبل ما يضمها ليه.
      
      "إيه اللي معانا هنا ده؟" نفسه القذر خلى معدة أبيجيل تتقلب. عصرها عصرة، وصوابعه غرزت في ضلوعها.
      
      "سيبني لو سمحت." شهقت لما مسكته عليها بقت أقوى. هو ضحك، والرجالة اللي دخلوا معاه عملوا زيه وهما بيبصوا لفوق ناحية البلكونة. هي بصت معاهم وشافت الستات اللي كانوا واقفين على سور البلكونة.
      
      الدراع اللي حوالين وسطها شدها أقوى وعينين أبيجيل وسعت لما إيده الحرة جت واستقرت على صدرها الشمال. صرخت وضحكته رنت جوه دماغها قبل ما تتخشب وترفس لورا بكعوبها الاتنين. "سيبني!"
      
      "أووه، أنا وقعت في واحدة صاحية أوي يا رجالة!" الرجالة اللي جوه الصالون ضحكوا وصيحاتهم وزعيقهم عليوا وهي بتحاول تفلت. الإيد اللي على صدرها مسابتش بس رفسة تانية في قصبة رجله كانت كفاية تخليه يسيبها. وقعت على رجليها، وشها محمر، وقلبها بيدق جامد جوه صدرها.
      
      هو ابتسملها. السنان اللي كانت لسه عنده كانت صفرا أوي لدرجة إنها كشرت. "حصل سوء تفاهم فظيع." رمت بَصة لفوق على السلم تاني لما صحاب الراجل بدأوا يطلعوا الدور التاني.
      
      "مفيش سوء تفاهم ولا حاجة." عينيه مشيت على جسمها كله ورغم إن فستانها كان مقفول، حست بانتهاك لما نظرته البجحة فضلت على صدرها. "أنا معايا فلوس، وفلوس كتير. هاخدك لحد الصبح. هتبقي محظوظة لو عرفتي تمشي لما أخلص معاكي."
      
      "مش فاكرة،" هي تمتمت. أجبرت نفسها تبتسم وفردت ضهرها. "أنا كنت ماشية خلاص. أنا متأكدة إن واحدة من الـ-سيدات اللي فوق هتبقى أكتر من مبسوطة إنها تاخد فلوسك."
      
      الراجل لف راسه وبص لفوق ناحية البلكونة. أبيجيل اتسحبت ناحية الباب وهو بيعمل كده. كانت خلاص قربت توصل لما هو لف لها تاني. "هما حلوين أوي بس أنا شكلي هخليكي إنتي برضه."
      
      أبيجيل كانت هتموت من الإحراج. أقل من ساعة في البلد والراجل اللي كان هيتجوزها سابها، وبقت من غير بيت ومفلسة، ودلوقتي بيفتكروها عاهرة. هو يومها ممكن يبقى أسوأ من كده؟ "أنا خايفة إنك مش فاهم. أنا مش-" مخدتش فرصة تكمل جملتها. الراجل مسكها، رماها على كتفه زي شوال بطاطس وبدأ يطلع السلم. سمعت بشكل مش واضح عامل البار بيزعق في حاجة في الوقت اللي جزمة الراجل كانت بتخبط على السلم. "نزلني حالاً!" خبطت بقبضتها على ضهره، وهي بترفس برجليها وزباين الصالون انفجروا في ضحك يصم الودان. أبيجيل خبطت بطنه بركبتها وهو اتكعبل، ورزعها في سور السلم. كام محاولة مقاومة عنيفة كمان وهو رماها. جامد.
      
      الخبطة في السلم خلتها دايخة بس هزت راسها خلى رؤيتها توضح. لما بصت على الراجل، النظرة اللي على وشه مكنتش النظرة الفرفوشة اللي شافتها من شوية. نطت على رجليها، أبيجيل عدت من جنبه جري ونزلت السلم. كانت في نص الأوضة قبل ما يمسكها.
      
      "سيبها،" عامل البار قال، وهو بيلف من جنب البار. "فيه بنات فوق أكتر من مستعدين ياخدوا فلوسك."
      
      "مش عايزهم،" الراجل قال. "أنا عايز دي وهاخدها."
      
      لما مد إيده عليها تاني، أبيجيل اتصرفت بغريزتها. ضربته بالقلم. لمسة وشها لسعت إيدها والصوت رن في الأوضة كلها. الضحك زاد، وش الراجل اتلوى والغضب اللي في عينيه كان زي التور الهايج. هي شافت قبضته جاية ناحيتها، شهقت، ووطت. اللكمة الطايشة جت في عامل البار بدالها والراجل صرخ شوية شتايم قبل ما يرمي هو كمان قبضته في الخناقة، وضرب الراجل رداً عليه.
      
      تبادل اللكمات خلى عامل البار يترزع في واحدة من الترابيزات وبوظ لعبة بوكر على رهان عالي. الرجالة اللي حوالين الترابيزة شتموا، واتخانقوا على الفلوس اللي متنطورة على الأرض، ودخلوا في خناقة خاصة بيهم في ثواني. العفش اللي حوالين الأوضة تم استخدامه عشان يزود الألم اللي بيعمله اللي انضموا للخناقة والفوضى اللي حصلت بعدها كانت مدمرة كفاية تخلي أبيجيل تتمنى إنها متدفعش تمن ده كله.
      
      
      
      
      
      
      زحفت ناحية البار وسط الازاز المتكسر، ورجول الكراسي والنشارة، وركنت في زاوية عشان تتفرج بعيون مرعوبة. لما راجل وقع على بعد بوصات منها، صرخت صرخة مفزوعة، ونطت على رجليها وجريت ع الباب - وعلطول في حضن راجل كان داخل من الشارع.
      
      قمة راسها كانت بالعافية واصلة لكتافه العريضة، ونظرة الصدمة اللي على وشه مكنتش كفاية تشد انتباهها عن أخضر عيون شافتها في حياتها. العيون دي، اللي متحوطة برموش غامقة وطويلة، كان فيها لمحة شقاوة، جزء جامح جواها كان عايز يستكشفها.
      
      هو فضل باصص لها من فوق، وإيديه على دراعاتها شدت سيكة قبل ما يبتسم. حد خبط في ضهرها، رزعهم هما الاتنين في الحيطة. واحد من الرجالة اللي بيتخانقوا وراهم رمى لكمة طايشة. جت بالظبط في نص وش الراجل اللي لسه داخل. قفاه اترزع في الحيطة، والدم نطر من مناخيره وعينيه لفت لورا في راسه. ولما وقع، شدها معاه.
      
      هي وقعت راكبة على وسطه، والدم اللي من مناخيره طرطش على قدام فستانها، وسال على خده ونزل على دقنه الملتحية. وهي بتتعدل وتسند إيديها على صدره، أبيجيل مقدرتش تعمل حاجة غير إنها تبحلق. وقتها هي شافتها. النجمة الفضية اللامعة على قدام الصديري بتاعه، وكلمة "مأمور" محفورة عليها. "يا إلهي،" هي همست برعشة. "أنا عملت إيه؟"
      
      \* \* \*
      
      مورجان حس بتقل على صدره وفتح عينيه. ست قاعدة فوقه، عينيها الزرقا الواسعة بتبص له بصدمة وشوية خوف. منظر صدرها القريب أوي من وشه خلاه يتجاهل الحقيقة الصغيرة دي ويركز بدالها على الست نفسها. قدام فستانها كان متغطي باللي شكله دم، كام نقطة حمرا مترشرشة على خدودها، وخصلاتها الشقرا كانت مفكوكه من الدبابيس اللي ماسكاها وسايبة خصلات ملفوفة تتدلى حوالين وشها. بَصة على طول جسمه أكدت له اللي كان بيفكر فيه. هي كانت قاعدة عليه، راكبة على وسطه، والدفا بتاعها ضاغط بحميمية أوي على بين رجليه وانتشر في ثواني من الإدراك ده.
      
      هو أنّ واستمتع بحقيقة إن فيه أنثى دافية فوقه. مكنتش هي دي اللي هو جه يشوفها بس لما رما بَصة تانية على وشها، كان لازم يعترف إنها حتة حلوة وصغيرة. ابتسم لها وهو باصص لفوق ورخى جسمه، وهو بيستقبل تقلها. "أنا في العادي بفضل شوية خصوصية وسرير دافي بس لو إنتي عندك رغبة إن الناس تتفرج، أنا ممكن أكون موافق... طول ما اللي هتتفرج دي واحدة من صحباتك البنات."
      
      هي شهقت وقامت من عليه بسرعة، ووقفت على رجليها ووشها بقى مبقع أحمر وهي بتحمر. "أنا آسفة. مكنش قصدي أسبب كل المشاكل دي."
      
      مورجان فضل باصص لها من تحت، مستغرب من اللي هي قالته، لما الدوشة اللي بتحصل حواليه سجلت أخيراً. وقتها الوجع اللي بينبض في وشه اخترق دماغه المشوشة. لف عشان يبص حوالين الصالون وشوفة الخناقات فكرته بحد ضربه أول ما دخل من الباب.
      
      صالون "الدايموند باك" كان شبه اتدمر من اللي هو شايفه. كام ترابيزة بس هما اللي فضلوا واقفين، الكراسي كانت متنطورة من أول الأوضة لآخرها والازاز المكسر كان بيلمع من أرضية النشارة زي ألماظ صغير. الشخص الوحيد اللي كان باين عليه مش متأثر هو عازف البيانو اللي فضل يطلع نغمات كأن مفيش حاجة بتحصل.
      
      هو اتعدل في قعدته، وطلعت منه أنّة والنبض في دماغه بيزيد. لمح فيرنون ويلكس، عامل البار، وصرخ له. "فيرنون، إيه الجحيم اللي بيحصل ده؟"
      
      عامل البار لف له وخد قبضة إيد مليانة في جنب دماغه عشان تعبه. مورجان شتم وقام يقف على رجليه واتطوح مرتين قبل ما يرجع توازنه. لما الأوضة بطلت تلف، عدى المكان ومسك الراجل اللي كان ساعتها بيموت فيرنون من الضرب ورماه على مجموعة من أربع رجالة تانيين، كلهم غرقانين في خناقاتهم الخاصة قبل ما يساعد فيرنون يقف على رجليه. "إيه اللي بدأ ده؟" عامل البار كشر، وتف بق دم قبل ما يلف ويبص ناحية الباب. مورجان تابع نظرته. الست كانت لسه هناك، عينيها المرعوبة واسعة وهي بتستوعب المنظر.
      
      "هي دي اللي بدأته،" فيرنون قالها من بين سنانه، وهو بيشاور عليها بإيد مليانة دم. "هي مكنش ليها لازمة هنا أصلاً، يا مأمور."
      
      مورجان بصلها بنظرة مستجوبة. "خليكي واقفة مكانك. هتصرف معاكي كمان دقيقة." لف تاني لأوضة البار، واتفرج على المعمعة كام دقيقة وهو بيقرر هيعمل إيه. مع وجود البنات فوق، إنه يسحب مسدسه ويضرب كام طلقة في السقف عشان يلفت انتباه الرجالة مكنش ممكن. تفريقهم بالإيد كان هو الحل الوحيد اللي يعرفه. والأكتر ألم. اتنهد وفرد كتافه. "الموضوع ده هيوجع أوي،" هو تمتم لنفسه قبل ما يرمي نفسه في قلب الخناقة.
      
      للمرة التانية في اليوم ده، حد ضربه بوكس في وشه. هو فكر إنهم بالعافية هيعرفوه بكرة. الوجع كان خلاص بينبض وعينه الشمال حاسس إنها غريبة شوية. بتورم وتقفل، هو خمّن. مورجان صرخ شتيمة ولف بالبوكس لورا، وهو بيكشر من صوت الطرقعة العالي اللي سمعه ومناخير الراجل بتتكسر والدم بيسيل على دقنه المشعرة. اتنين كمان هجموا عليه، مسكوه من وسطه ورزعوه في الترابيزة الوحيدة اللي فاضلة واقفة. وقعوا على الأرض وخد ثواني طويلة عشان رئتيه تتملي هوا تاني. وهو بيزحف عشان يقف، مسك أول راجل شافه ورماه في الحيطة. "خليك مكانك وإلا هرميك تحت السجن!" ولمفاجأته، الراجل عمل كده بالظبط.
      
      الموضوع خد وقت أكتر من المفروض عشان الرجالة يهدوا. على ما آخر واحد لقى حتة يقعد فيها ويهدى، الآنسة أنجلينا نفسها كانت نزلت تحت عشان تداوي جروح اللي محتاجين لمسة ست حنينة. هي أَمَرِت بناتها يهتموا بالرجالة وقبل ما التراب يهدى، أكتر من نص أوضة البار كانوا طالعين الدور التاني عشان يخلوا ست ناعمة ومطاوعة تساعدهم يهدوا كبريائهم المجروح.
      
      كله ماعدا هو، يعني.
      
      مورجان مكنش فاكر إن فيه حتة لحمة في جسمه مش وجعاه. الدم كان بيسيل من جروح أكتر من إنها تتعد، شفته كانت مقطوعة وعينه الشمال كانت أكيد بتورم وتقفل. هو لف وبص ناحية البار، الست اللي خبطت فيه وهو داخل الصالون كانت لسه واقفة مطرح ما قالها. كانت ساندة على الحيطة، شنطتها مقفول عليها بإيديها جامد كفاية إن مفاصلها تبان بيضا من آخر الأوضة. لما رفعت راسها وبصت له، واديته ابتسامة بتقول إن كل حاجة في الدنيا تمام، أسبوعه الجحيمي لحقه في لحظة.
      
      كل اللي كان عايزه من ساعة ما رجع البلد هو إنه يغسل التراب من زوره بأقوى خمرة معفنة ممكن فيرنون يديها له ويقضي وقت مع واحدة من الستات الصغيرين اللي فوق. اللي خده بدال كده كان هي. الشقرا اللي لقاها راكبة على حجره لما صحي من النوم اللي سببه البوكس. هو بحلق لها وهي بتبص حوالين الأوضة. هي كانت حلوة بس دلوقتي وهي واقفة، هو قدر يشوف هي قد إيه صغيرة فعلاً. رفيعة شوية على مزاجه. هو كان بيحب ستاته مليانين بصدر كبير وشهية مفتوحة للمتع الآثمة. الشقرا الضئيلة دي، اللي مكنش المفروض تكون جوه الصالون من الأساس حسب كلام فيرنون، كان شكلها أليف زي القطة. يا خسارة، هو فكر. كان هيرحب أوي إنه يطلع إحباطه بين فخادها بس لو فيرنون قال إنها مش تبع هنا، يبقى هو مصدقه.
      
      عدى الأوضة لحد ما هي كانت واقفة، ووقف على بعد بوصات منها. "إنتي مين؟" هي مردتش. بدال كده، هي فضلت تبص له بعينيها الزرقا الواسعة دي، ودقنها مرفوعة بزاوية متعجرفة. مورجان استنى وحط إيديه في وسطه. وبعدين استنى شوية كمان. "ها؟" هو سأل، وهو متضايق من سكوتها. "أنا مش فاضي طول اليوم. انطقي."
      
      
      

      روايه الكوخ الأبدي

      الكوخ الأبدي

      بقلم,

      مغامرات

      مجانا

      بنت كفيفة عايشة في كوخ مع عيلتها، ومكانها المفضل هو المرج. في يوم بتعرف إن الأمير بتاعهم "وحش" بسبب لعنة من ساحرة، وإن الملك قرر يجمع كل البنات عشان الأمير يختار منهم أميرته. عيلتها بتحاول تخبيها هي وأخواتها، ووالدتها قلقانة عليها أكتر عشان شايفاها "عاجزة". في نهاية الفصل، بيتهم بيتعرض لهجوم مفاجئ، ومامتها بتصرخ إنهم بيتهجم عليهم.

      أرليت

      كفيفة وعندها شعر أحمر ناري. بتحب الطبيعة وعندها موهبة تحس بمشاعر الناس. حاسة إن عيلتها بتقلل منها.

      كيد

      خت أرليت التانية، شعرها بني مجعد وعينيها زرقا، مرحة وسعيدة.

      الأمير

      ملعون ومتحول لـ "وحش" (قاسي، بلا قلب، وشكله مشوه) وبيدور على أميرة تكسر اللعنة.
      روايه الكوخ الأبدي
      صورة الكاتب

      الفصل الأول
      
      أرليت أخذت نفساً عميقاً. كالعادة، كانت مسحورة بالرائحة التي تفوح من الزهور المتفتحة حولها. رقصت قليلاً. هي دائماً تحب هذا المكان. كان هادئاً ومسالماً. كانت تستطيع سماع زقزقة العصافير الصغيرة بهدوء حولها، والرياح تلاعب شعرها الأحمر الناري وهي تدور. وهي تفعل ذلك، كانت تشعر بالإحساس الرقيق والوخز الخفيف للزهور بجانب قدميها، مما جعلها تبتسم. كانت تستطيع سماع ضحك الأطفال من بعيد، وهم يجرون ويصرخون.
      
      كان المرج مكانها المفضل. كان دائماً يمنحها الشعور الرائع بأنها يمكن أن تكون على اتصال بالطبيعة ومع كل شيء آخر. ألقت رأسها للخلف، تاركة الشمس الغاربة تضرب وجهها وتقبل بشرتها. كانت تشعر بحرارتها، وهذا بالتأكيد يشير إلى أن الجو كان حاراً جداً اليوم. ثم، أخيراً، انهارت، ظهرها يلامس الأرض، ووجهها مواجهاً للسماء.
      
      "يا أرليت، العشاء جاهز!" صاحت جدتها من الكوخ.
      
      تنهيدة ثقيلة خرجت من شفاه أرليت، حيث اختفت فرصة الحصول على وقت فراغ في لحظة، ثم وقفت مرة أخرى، تبحث في جيب فستانها وتمسك بعصاها. لم تكن بحاجة إليها، كانت تعرف طريق عودتها، ولكن فقط حتى لا تصاب جدتها بالذعر، كانت تستخدمها بكل سرور. كانت قد حصلت على العصا من العالم "الخارجي"، حيث يعيش البشر، عندما كانت أصغر سناً. تذكرت عندما لم يتمكن أي ساحر أو معالج من إيجاد شيء لها يمكن أن يرشدها. هذا، حتى قرر عمها أنه سيخرج خارج الأراضي، حيث كان العلاج أكثر تقدماً.
      
      العيش بدون عصا لم يكن صعباً جداً على أرليت. عندما كانت أصغر سناً، كانت تستطيع تمييز كل شيء تقريباً حولها دون أي إزعاج. كانت تستطيع المشي في كوخها دون أن تتعثر، والمشي عبر الحقول دون أن تضيع... لكن والدتها، كالعادة، أرادت الأفضل لها ولأخواتها.
      
      كان هناك بعض الجدل، بالطبع؛ لم يكن من المفترض أن يحصلوا على أي شيء من العالم الخارجي، لكنها كانت بحاجة ماسة إليه، كما قالت والدتها، ولم يكن هناك خيار آخر.
      
      مشت نحو كوخ عائلتها، مستمتعة بالألفة فيه. لقد عاشت هنا طوال حياتها، ولم تكن لترغب في تغييره بأي شيء، هذا المكان كان مثالياً. كان المكان الذي كبرت فيه هي وأخواتها. كان المكان الذي عرفت فيه معنى العائلة. كانت تستطيع تذكر كل الذكريات. الضحك، والبكاء، والأحضان...
      
      كتمت أرليت ضحكة؛ في ذلك الوقت، كانت أخواتها رائعات، دائماً يقلقن بشأنها، ودائماً يحمونها من الأطفال الوقحين والجهلة—كيف كان الأطفال الآخرون يتجهمون ويبكون لأن أخواتها قد أعطينهم درساً جيداً. كانت تلك أوقاتاً جيدة، وذكريات جيدة. لكن الأمر تغير– كل شيء تغير. لأنه عندما بدأ الرجال يضعون أعينهم على أخواتها بمجرد أن يكبرن، كانت أرليت تُدفع ببطء إلى الخلف.
      
      في البداية، لم تستطع أن تفهم ما كان يحدث، ولكن عندما شرحت لها أخواتها، أصبح الأمر كله واضحاً تماماً.
      
      عند دخولها الكوخ، وإغلاق الباب خلفها، قوبلت بروائح قوية. كرمشت أنفها من الرائحة. قوية جداً. ماذا كانت جدتها تطبخ؟ شقت طريقها بحذر إلى المطبخ. أصبحت الروائح أقوى قليلاً كلما اقتربت. كان الجميع في المطبخ بالفعل؛ كانت تستطيع سماعهم—أخواتها يتحدثن بحماس، ووالدتها تتحدث إلى والدها عن كيف يجب أن يذهب إلى مكان ما لعلاج سعاله المستمر، وجدتها تبحث في الأدراج تفعل الله أعلم ماذا.
      
      "أوه، أرليت، أخيراً، أنتِ هنا. كنا ننتظرك،" سمعت والدتها تقول بحنان وهي تأخذ مقعداً في أحد الكراسي. أغلقت عصاها، ووضعتها مرة أخرى في جيب فستانها.
      
      أومأت برأسها صامتة، متتبعة المكان الذي سمعت فيه صوت والدتها.
      
      بعد دقيقتين، كان الجميع يأكلون ويتحدثون بلا هدف، لم تكن أرليت تولي اهتماماً كبيراً لأي من المحادثة التي كانت تدور. ومع ذلك، ذكرت إحدى أخواتها شيئاً جعل رأسها يتبع ببطء صوتها الدرامي.
      
      "هل سمعتِ؟ الملك قلق من أن ابنه، الأمير، لن يجد أميرته." كانت هذه إمبر تتحدث، أختها الكبرى. كانت إمبر تتمتع بشعر أشقر باهت طويل جداً يصل إلى خصرها، وكانت طويلة بعيون خضراء. جميلة جداً. على الأقل، هكذا وصفتها والدتها.
      
      قبل أن تتمكن أختها الأخرى من الرد على ذلك، تنهدت والدة أرليت، كان بإمكانها سماعها وهي تضع شوكتها، "أنا متأكدة من أننا جميعاً نعرف السبب يا إمبر، ليست هناك حاجة للحديث عن ذلك."
      
      لكن أرليت لم تكن تعرف، لذلك على الرغم من تحذير والدتها بإنهاء المحادثة، أدارت رأسها إلى حيث سمعت إمبر تتحدث، وسألت: "لماذا؟"
      
      "أرليت..." حذرها والدها، وهو يسعل، من الواضح أنه لا يريد التحدث عن ابن الملك.
      
      "لأن الأمير وحش يا عزيزتي أرليت،" أجابت إمبر بشكل درامي، دون أن تستمع إلى أي من والديها.
      
      "يكفي هذا يا إمبر!" صرخت جدتها، وهي تصفع الطاولة وهي تنهض، غاضبة.
      
      كيف لم تعرف أرليت بهذا بينما من الواضح أن كل شخص آخر في العائلة يعرف؟ وبدا تحديداً أنه موضوع حساس. شعرت مرة أخرى بأنها آخر من يعلم بكل شيء. حتى لو كان أصغر شيء، كانت دائماً آخر من يعلم به، وهذا جعل دمها يغلي.
      
      بعد ذلك، أنهى الجميع تناول الطعام في صمت ثقيل ومحرج بشكل غبي. كانت أرليت لا تزال تفكر في الأمير وكيف وصفته إمبر بأنه وحش. ماذا كانت تقصد؟ هل كان يتصرف كوحش؟ بلا قلب وقاسٍ؟ أم أنه كان وحشاً—مشوهاً وقبيحاً؟ أم كان كلاهما؟ كل هذه الأسئلة كانت تدور في ذهنها، مما جعلها تتساءل.
      
      كسرت والدة أرليت الصمت، "لا نريدكن يا فتيات أن تتحدثن عن ابن الملك في هذا المنزل، كلنا نعرف أنه موضوع حساس—"
      
      
      
      
      
      
      "يا ماما، كل اللي في القرية بيتكلموا عنه،" قاطعتها كيد، أختها التانية، وأرليت كانت ممكن تحلف إنها قلبت عينيها. كيد، زي ما مامتها وصفتها، كانت برضه طويلة، بس بخصلات شعر بنية مجعدة وعيون زرقا.
      
      هما التلاتة كانوا مختلفين. خصوصاً أرليت. أرليت كان شعرها أحمر ناري بينزل على وسطها في موجات تقيلة. كان عندها عيون عسلي لامعة، ووش رقيق على شكل قلب. مامتها قالتلها إنها مش طويلة زي أخواتها، لكن طولها متوسط. مامتها قالت إنها برضه جميلة جداً، بس أرليت استنتجت إنها مش بجمال أخواتها.
      
      "إحنا مدركين ده كويس يا كيد. لكن الملك حذرنا كلنا في رسايل، وإحنا المفروض نتبع رغباته،" مامتها قالت بهدوء، وهي بتزق الكرسي، وده بيبين إنها وقفت.
      
      أرليت كمان استأذنت عشان تروح تنام، والغريب إن مامتها قررت توصلها، وشبكت دراعها في دراعها.
      
      "يا ماما، أنا عارفة طريقي."
      
      "أنا عارفة يا حبيبتي. أنا بس عايزة أتكلم معاكي."
      
      وهي بتقفل الباب وراها، أرليت فكت دراعها من مامتها، وراحت ناحية سريرها، قلعت جزمتها، وقعدت براحة. هي كانت بتحب ريحة أوضتها. كانت ريحتها زي الزهور والخوخ، حاجة هي دايماً بتحبها.
      
      هي كانت غضبانة بحذر من مامتها—ومن كل حد في عيلتها في النقطة دي. ومامتها كانت عارفة ده.
      
      "أرليت، أنا آسفة إني مقولتلكيش بدري عن الجواب—" مامتها بدأت تقول، لكن أرليت قاطعتها.
      
      "مش وكأنك كان عندك أي نية تقوليلي يا ماما. بس قوليلي، ليه لازم أكون آخر واحدة تعرف كل حاجة؟" أرليت كانت غضبانة جداً، لكنها اتكلمت بهدوء مع مامتها، ودي كانت حاجة فاجأتها هي نفسها بشكل لا يصدق. كانت سامعة مامتها وهي بتقعد على الكرسي الجلد اللي جنب سرير أرليت، وهي بتهمهم بحاجة لنفسها.
      
      اتنهدت. "إحنا بس مش عايزين أي واحدة فيكم يا بنات تكون في خطر،" وقبل ما أرليت تسأل هما ليه أصلاً هيكونوا في خطر، مامتها كملت، "أنا هحكيلك حكاية يا أرليت، وعايزاكي تسمعي كويس،"
      
      أرليت هزت راسها في صمت، وهي دلوقتي محتارة أكتر من أي وقت فات. كانت سامعة الجدية في صوت مامتها، وده رعبها. هي كانت عارفة إن باباها صديق كويس للملك، بس أكيد مفيش حاجة حصلت بينهم؟
      
      "طول السنين دي، كان فيه إشاعة إن حد قريب للملك اتلعن من ساحرة شريرة وسادية. أنا متأكدة إنك سمعتي عنها؟" مامتها سكتت لحظة، وأرليت هزت راسها. "طيب، زي ما هو متوقع، ده ابنه—هو اتلعن. محدش يعرف السبب الحقيقي، بس زي دايماً، الإشاعات بتتكلم عن ده." مامتها سكتت.
      
      أرليت كانت عارفة إن فيه نسبة قليلة جداً من الساحرات الشريرات في أراضي الجنيات؛ هما في العادة كانوا كويسين، بيهتموا بشؤونهم بهدوء. هما غالباً كانوا ضد الشر، وبيساعدوا أي حد محتاجهم. بس كان فيه برضه ساحرات شريرات جداً جداً بيستخدموا قواهم العظيمة لمصلحتهم، وبيسببوا ضرر كبير وحاجات زي كده.
      
      "إيه هي الإشاعات؟" أرليت سألت، وهي بتبلع ريقها اللي ساد حلقها. هي كانت بتكره الأنواع دي من الحكايات.
      
      "من زمان أوي، الأمير الوسيم وقع في حب سيدة شابة وجميلة. هي كانت ست حياته، على حد قوله. كان هيتجوزها. كانوا بيبانوا كأنهم الكوبل المثالي. القدر كان في صفهم. بس السيدة الشابة دي كانت غريبة شوية..." هي سكتت. "اتضح إن في يوم، لما الأمير كان طالع السلالم لأوضته، لقاها بتبوس واحد من الحراس. هو كان ممزق وغضبان وقرر ينهي علاقتهم. بس البنت اترجته واتوسلتله إنه يسامحها، وقالت إن القدر عايزهم مع بعض؛ بس الأمير مكنش متقبل ده."
      
      "جه دورها هي عشان تغضب وقتها. البنت طلعت ساحرة وفي يأسها، لعنته على غلطته الصغيرة دي—خلته قاسي وبلا قلب ووحيد، وشوهت وشه لدرجة إنه بقى شبه الوحش."
      
      أرليت شهقت، بس مامتها كملت، "النقطة هي، يا أرليت، إنه خطير جداً وباباكي، وجدتك وأنا مش عايزينك إنتي وأخواتك تتكلموا عنه. صحيح، هو محتاج أميرة بعد كل سنين الوحدة دي، بس محكوم عليه إنه يكون لوحده. باباه مش فاهم ده بقى. هو مصمم يدور على سيدة شابة ترافق ابنه على العرش—"
      
      "يا ماما، ادخلي في الموضوع،" أرليت استعجلتها، وهي حاسة إن مامتها بتاخد وقت طويل أوي.
      
      "هو قريب هيبعت حراس ياخدوا كل أنثى ويجبوها القصر، ويخلوا الأمير يقرر مين اللي هو عايزها تكون أميرته." هي خلصت أخيراً.
      
      أرليت حست كأنها بتتخنق من الهوا، عينيها وسعت ومعدتها اتقبضت وكلام مامتها بيغوص عميق جوه راسها.
      
      مامتها جات جنبها في لحظة، ومسكت إيدين أرليت المرتعشة في إيديها. أرليت كانت قادرة تحس بخوف مامتها وهو بينمل في إيديها، دي كانت موهبة عندها—إنها تحس بمشاعر وعواطف الناس. "يا حبيبتي، عشان كده إحنا بنحاول نخبيكي إنتي وأخواتك منه، بس الموضوع صعب جداً لما الملك عارف أصلاً إن أنا وباباكي عندنا تلات بنات."
      
      
      
      
      
      
      
      فضلت أرليت صاحية طول الليل—بتفكر وتفكر في الكلام اللي والدتها قالتهولها—إزاي هي ووالدها بيحموها هي وأخواتها. وخصوصاً هي. هما كانوا قلقانين على أرليت أكتر بكتير من إمبر وكيد، هما يقدروا يعتنوا بنفسهم، أرليت "متعرفش"، زي ما والدتها عبرت عن ده. أرليت ووالدتها كانوا بيتجادلوا بحيوية بخصوص ده الليلة اللي فاتت. هي، بأي شكل من الأشكال، مكنتش عايزة تحس إنها... عديمة الحيلة كده.
      
      والدتها قالت إنها تحت حماية والديها، وإن مفيش أي حاجة هتحصلها أبداً.
      
      هي سألت عن أخواتها، إيه اللي هيحصلهم لو واحدة منهم تم اختيارها. والدتها اتنهدت بس وقالت إنهم هيتجاوزوا ده، هما يقدروا يعتنوا بنفسهم؛ هما كبار، في النهاية، وعشان كده أرليت مش المفروض تقلق زيادة عن اللزوم على أخواتها أو أي حد تاني، غير نفسها هي.
      
      أرليت فكرت إن والدتها أنانية إلى حد ما، إن لم تكن مُتحيزة. تقلق عليها هي ومش على أخواتها؟ هي كشرت بسبب ده.
      
      وهي خارجة من أوضتها، مررت إيديها على فستانها الطويل التقيل. أرليت كانت بتشده خفيف لإنه كان ضيق شوية عن ما هي حابة، بس هي قدرت إنه هيقضي الغرض. والدتها كانت اختارتهولها، وهي مكنتش مستعدة تدخل في جدال عن قد إيه الفستان ضيق مع والدتها. والدتها كانت... معقدة. مخلوق غير مفهوم فعلاً.
      
      وهي بتدخل المطبخ زي كل صباح، استقبلتها مامتها وجدتها.
      
      "بابا فين؟" أرليت سألت، بفضول، وهي بتقعد. هي مكنتش قادرة تحس بوجوده هنا، ولا حتى ريحته الرجولية.
      
      "أوه، والدتك بعتته لمعالج، يا عزيزتي. حالته ساءت." جدتها ردت، وهي بتسحب كرسي وبتقعد. صوتها كان بيبدو عليه الإرهاق.
      
      حقيقة إن والد أرليت حالته ساءت كانت حاجة قلقاها بعمق. هو عمره ما كان مريض بالشكل ده، حتى لما الطاعون المبكر هاجم المكان اللي كان بيروحه من كام سنة. دي مكنتش علامة كويسة. في الواقع، دي كانت علامة سيئة جداً جداً، ولو المعالج مقدرش يشفيه، هتحصل شوية مشاكل خطيرة.
      
      "هو معالج خبير جداً..." هي سمعت والدتها بتتكلم وسط ضباب أفكارها الدوامة. والدتها كانت عايزة تقنع نفسها، دي كانت حاجة أرليت متأكدة منها. نأمل إن قدراته الشفائية تكون قوية وجبارة كفاية عشان تشفيه... بس مكنش فارق فعلاً إذا كان معالج خبير أو لأ. لما القدر يقول لأ، مبيفرقش إذا كانت لسعة نحلة، هي لأ، وده كان أكتر حاجة بتخوف أرليت.
      
      إمبر دخلت المطبخ، وجودها كان تقيل ومش مريح. سلمت على والدتها بعدين جدتها، وفي الآخر، أرليت. هي أكيد كانت منزعجة من حاجة—صوتها المتخشب وحركاتها كشفوا ده تلقائياً. هي سحبت كرسي، واتهدت عليه.
      
      "معرفتش أنام،" إمبر وضحت أخيراً، وهي بتتنهد. "كان فيه 'نينيز' طايرين في كل حتة في أوضتي... مكنوش عايزين يسيبوني في حالي،"
      
      "شباكك كان مفتوح؟" جدتها سألت. هما التلاتة كانوا قاعدين في المطبخ، بيخلصوا فطار. الوحيدة اللي كانت ناقصة هي كيد—هي دايماً بتصحى متأخر.
      
      إمبر اتنهدت. "أيوة. افتكرت إني قفلته..."
      
      الـ'نينيز' كانوا جنيات صغيرة مزعجين بشكل لا يصدق. هما كانوا صغيرين وهشين زي بتلات الورد، بس زنهم المستمر وسذاجتهم في "اللعب" كانت أكتر من مزعجة. هما مكنوش بيعملوا حاجة فعلاً غير إنهم يطلعوا بالليل و"يلعبوا"، وده كان معناه في الواقع إنهم بيدوروا على أي كائن حي يضايقوه. أرليت مقدرتش تلوم إمبر في النقطة دي. هما كانوا فعلاً موترين.
      
      كيد جات أخيراً، حضورها كان رشيق وسعيد زي عادته. أرليت كشرت من تصرفها. أكيد حاجة قرصتها في نومها، أرليت فكرت، وهي بتسلم على كيد هي كمان. على ما كيد بدأت تاكل فطارها، أرليت استأذنت عشان تروح مكانها المفضل— المرج.
      
      "البسي العباية بتاعتك يا أرليت." والدتها أمرتها وهي قايمة.
      
      أرليت كشرت، ولفيت ناحية المكان اللي حست فيه بوجود مامتها. "أنا مش هخرج بره المرج يا ماما. من إمتى وأنا لازم ألبس عباية وأنا بره شوارع القرية؟" هي سألت، وهي متضايقة خفيف. ده كان غير معتاد من والدتها.
      
      "من دلوقتي يا أرليت." هي ردت بحزم. "دلوقتي، البسي دي،" هي دفعت عباية أرليت في إيديها.
      
      أرليت اتأففت، ويئست، وببطء، وبإحباط، لبست عبايتها الكبيرة الغامقة مع تنهيدة. أول ما لبستها، اتجهت بأسرع ما يمكن ناحية الباب الأمامي، بس صوت والدتها وقفها.
      
      "غطي شعرك!"
      
      هي طلعت نفس متضايق، ومسكت غطاء راس العباية وحطته بنعومة على راسها.
      
      "مبسوطة؟" أرليت سألت، صوتها مليان ضيق.
      
      "أيوة، جداً. تقدري تمشي دلوقتي."
      
      "يا آلهي..." أرليت همهمت وهي بتفتح الباب الأمامي. والدتها ممكن تكون صعبة أوي أوقات.
      
      وهي بتخطو في المرج، هي عرفت فوراً إن فيه نسبة قليلة جداً إنها هتستمتع بوقتها بالعباية دي، فبدل من ده، هي بس انهارت وسط زهور الأقحوان المزقزقة، ووشها للسما.
      
      كان المفروض يلبسوا عبايات لما يكونوا بره بيتهم وفي أعما اق القرية المحيرة، مش على أرض عيلتهم.
      
      الإناث بس هما اللي كان مطلوب منهم يلبسوا عبايات لما يكونوا بره أكواخهم. ده كان بيظهر حاجة عن احترام النفس والكرامة، حاجة كل الإناث المفروض تكون عندهم.
      
      الشمس قبلت وش أرليت بقوة، وشوية وخلت قطرات عرق تنزل على جبينها.
      
      هي سندت نفسها لوضع الجلوس، وشالت غطاء راس العباية عشان يدخلها شوية هوا نضيف على رقبتها وشعرها العرقانين. يمكن من الأفضل تدخل جوه الكوخ، حيث الشمس مكنتش قاتلة أوي كده.
      
      الهوا فجأة زاد، وطير شعر أرليت من على وشها. هي اتنهدت بسعادة، وغمضت عينيها واستنشقت الروايح المختلفة الكتير اللي الهوا جابها. العشب المبلول، ريحة الدخان اللي طالع من أكواخ الناس، اللي بيبين إنهم بيطبخوا، الريحة المهدئة للزهور... دي كانت الحاجات الصغيرة اللي بتخلي أرليت مبسوطة، وللحظة قصيرة، خلتها عايزة تشوف إيه اللي حواليها—هيكون عامل إزاي إنها تشوف الألوان بجد - إنها تشوف وشوش عيلتها بجد... هي هزت راسها، وهي بتقول لنفسها إنها أبداً متحبش ولا تتمنى أي حاجة من الحاجات دي؛ هي كانت عارفة إنها عمرها ما هتحصل عليهم.
      
      وبعدين، من لا شيء، الهوا جاب ريحة كاملة ومروعة، خلت أرليت تغطي مناخيرها وبقها بإيدها بيأس. إيه الريحة الكريهة دي؟ هي وقفت، وفجأة الهوا بقى أقوى ومبقتش قادرة تحس بحرارة الشمس، بس سامعة رعد مشؤوم وصدام من بعيد، وبيقرب بسرعة.
      
      خوف لا يُحتمل زحف على عمود أرليت الفقري وهي بتمشي بسرعة ترجع ناحية الكوخ. هي تقريباً جريت، مش مهتمة إذا استخدمت عصايتها أو لأ. ولما حست إنها قدام الباب بالظبط، هي فتحت الباب بعنف عشان تسمع بشكل مفزع مامتها بتصرخ بيأس.
      
      "بيتهجم علينا!"
      
      

      رواية هروب الملكة

      هروب الملكة

      بقلم,

      مغامرات

      مجانا

      بعد هروب ومعاناة طويلة، بتوصل لمعبد قديم بتدور فيه على الأمان والحماية من اللي بيطاردوها، وبتواجه تهديدهم على عتبة المعبد. وبين الكر والفر، بيظهر راهب شجاع بيقف في وش الرجالة المسلحة عشان يحميها، مؤكدًا إن أرض الدير هي ملاذ آمن. جيد بتلاقي الأمان المؤقت في المكان ده، بس لسه الخطر ورا الباب وهي خايفة على نفسها وعلى ابنها.

      جيد

      شابة حامل بتجري عشان تنقذ حياتها من المطاردة. كانت عايشة حياة رفاهية بس دلوقتي رجليها تعبانة ومش متعودة على المشي حافية. قوية رغم ضعفها، وبتتمسك بالأمل عشان خاطر الطفل اللي في بطنها.

      أولف

      قائد الفرسان والمطاردين. شخص قاسي وشرير، بيطارد جيد بكل إصرار وبيتريق عليها وعلى لقبها. بيظهر إنه زهق من المطاردة بس مش هيسيبها بسهولة.

      الراهب

      عجوز أصلع بحواجب كثيفة. بيظهر إنه شخص هادي وصارم، بس قلبه طيب ومؤمن بمبادئه. بيتدخل بشجاعة عشان يحمي جيد وبيعتبر إن أرض الدير مكان مقدس للحماية
      رواية هروب الملكة
      صورة الكاتب

      - جيد -
      
      جيد كانت بتجري بأقصى سرعة رجليها ممكن تشيلها، وسط غابات عمرها ما شافتها قبل كده. الأرض كانت متلونة أبيض وأخضر ببحر من زهور شقائق النعمان. بس الزهور دي مكنتش هتفضل كتير، وقتها في السنة كان خلاص بيخلص. الربيع كان قرب ينتهي. بس الأيام كانت لسه برد، والليالي تلج. ألوان الصيف كانت لسه مطلعتش، بس أشجار البتولا والجار كانت محوطاها ببحر من الخضرة. للأسف، الأشجار دي مكنتش بتوفر أماكن كتير تستخبى فيها.
      
      رغم جمال المكان اللي حوالين جيد، زهور شقائق النعمان الرقيقة دي كانت مخبية تحتها أي حاجة، ومكنتش مديالها أي فرصة تشوف الأغصان الحادة الحاقدة والحجارة غير لما تدوس عليها. كانت بتشتم وتسبسب كل ما ألم لاسع يطلع من تحت رجليها لما تدوس على حاجة حادة أو متغطية شوك.
      
      فضلت تجري وقلبها بيدق جامد أوي لدرجة إنها حست إنها ممكن تقع ميتة في أي لحظة. رئتها كانت بتكافح. كانت بتعافر أوي عشان توفر لها الهوا اللي هي محتاجاه عشان تفضل مكملة. جيد كانت عارفة إنها لازم تكمل. مهما كانت في وجع وعذاب، مكنش ينفع تقف. حتى عشان تاخد نفسها.
      
      غصن حاد تاني اخترق الجلد الملتهب تحت رجلها اليمين، بيفكرها بقسوة إنها كانت حافية. رد الفعل الوحيد اللي سمحت لنفسها بيه كان تكشيرة من الوجع. رجليها خلاص مكنتش متعودة على خشونة الأرض دي زي ما كانت زمان في بلدها في ثورنستيد. هناك، كانت متعودة تمشي حافية طول الوقت. على الأقل في الصيف. دلوقتي، هي اتدلعت بالجزم والشرابات الدافية، وده خلى رجليها ناعمة وحساسة. كل مرة كانت بتحط رجل قدام التانية، كانت بتبقى عايزة تصرخ من الوجع، بس كانت بتجبر نفسها تفضل ساكتة. مكنش ينفع تخاطر إن حد يسمعها. مش بعد ما نجحت إنها تفضل مستخبية كل ده.
      
      قعدت تلوم نفسها إنها باعت جزمتها عشان تشتري أكل من كام يوم، بس هي كانت جعانة أوي. كانت جعانة على طول. حتى وهي بتجري عشان تنقذ حياتها.
      
      الفلوس اللي خدتها من بيع جزمتها الجديدة كانت ممكن تمشيها أكتر لو مكنش آخرها اتسرق من نشال. ده حصل لما كانت في السوق في قرية دخلتها، بس عشان تشتري عباية بدل واحدة كانت سرقتها. هي مخدتش بالها من الحرامي ولا من لمسته الخفيفة زي الريشة. مخدتش بالها غير لما جت تدفع تمن العباية واكتشفت إن مفيش معاها ولا مليم. اضطرت تسيب السوق بسرعة عشان محدش يفتكرها شحاتة - أو أسوأ: حرامية.
      
      فستان جيد اللي كان لونه أزرق في الأصل، كان متقطع من عند الديل ووسخ لدرجة إنه مكنش باين له ملامح. لونه الأصلي كان يا دوب باين بسبب كمية التراب والطين اللي شافها طول فترة هروبها والليالي اللي قضتها في الغابة. الأكمام كانت حالتها وحشة أوي، زي بقية الفستان. القماش اللي كان في يوم من الأيام ماسك على إيديها بقى دلوقتي مهتري ونازل شراشيب. الكم الشمال كان مقطوع لحد نص كوعها من ساعة ما واحد من اللي بيطاردوها كان قرب يمسكها.
      
      واللي زود الطين بلة، إن الدنيا كانت بتمطر جامد. الأشجار مكنتش بتعمل حاجة تقريبًا عشان تحميها من العاصفة اللي بترعد فوق، لأن ورق الشجر كان لسه قدامه شوية عشان يكبر. المطر كان نازل بقوة لدرجة إنه غرقها تمامًا. لحد جلدها. وهي في قلب العاصفة، كانت يا دوب شايفة أي حاجة أو شايفة هي رايحة فين من كتر المطر. لحسن حظها، شعرها كان لازق على وشها ورقبتها ومكنش بيغطي عينيها زي ما بيحصل في الأيام اللي فيها هوا لما شعرها بيطير في كل حتة.
      
      السما كانت بتزأر فوقها، صوتها كان قرب يغطي على نداهات اللي بيطاردوها بس مش بالكامل. ومضة نور حادة لفتت انتباهها للحظة لما البرق ضرب مش بعيد. شوية وقدرت تسمع صياحهم وراها بوضوح تاني. بطنها اتقلبت من الخوف، وده خلى صوابعها ترتعش. مبصتش وراها. لا عشان تقف ولا حتى عشان تلمح هما قريبين قد إيه. دي حاجة مكنتش تقدر تعملها.
      
      "كملي." قالت لنفسها ورفعت عينيها لفوق بدل ما تبص وراها.
      
      فوق، شافت قمم الأشجار بتتهز من جنب للتاني بسبب غضب العاصفة اللي فوقها. العاصفة دي كانت معلقة في الجو بقالها يومين أو تلاتة. كانت واحدة من ضمن عواصف كتير، بس اللي قبلها مكنوش بالعنف ده.
      
      المطر المستمر ده كان جزء من اللي خلى جيد تدخل الغابات. الأشجار كانت بتحميها، حتى لو بشكل ضعيف، من العواصف والمطر بتاعها. وبرضو، هي كانت في أمان وسط الشجر أكتر من الطرق المفتوحة. في أمان منهم.
      
      في الأول، هي كانت ماشية على الطرق بس موصلتش بعيد قبل ما يلحقوها. في الوقت ده، الطبيعة مكنتش لسه بدأت تطلع زرع أو تظهر أي علامات للربيع وأماكن الاستخباء الوحيدة اللي الغابات كانت بتوفرها هي جذوع الشجر الضخمة أو الحفر اللي تحتها. والحفر دي كانت دايمًا صغيرة أوي إنها تدخل فيها.
      
      "فضلوا دوروا!" صوت جهور زعق من عمق الغابة. "هي قريبة!"
      
      صياح ناس تانية ملى السكوت بعد الزعقة الأولى.
      
      *مش هينفع يلاقوني، مش دلوقتي. مش بعد ما هربت منهم كل ده!* بصت ورا كتفها، وهي عارفة إن ده ممكن يكلفها أكتر ما يستاهل. مكنتش شايفاهم، بس ده مكنش مريح أوي بسبب قد إيه أصواتهم كانت قريبة وراها.
      
      جيد كانت بتهرب من رجالة روان بقالها أسبوعين لو مكنتش غلطانة أو تعبانة زيادة عن اللزوم إنها تفتكر. هما لحقوها لما هي افتكرت إن الدنيا أمان إنها تقف وترتاح. كانت مرهقة، وأتعس من إنها تكمل، فعملت الغلطة وقضت يوم كامل تقريبًا جنب جدول مية صغير في الغابة. هي كانت بس عايزة تاخد نفسها للحظة. اللحظة دي اتحولت لساعات لما غفلت وراحت في النوم. اللي كان نعمة لجسمها التعبان ورجليها المتهانة، اتحول بسرعة لكابوس لما عسكري لقاها.
      
      "فضلوا دوروا!" صوت زأر تاني. بيسكت الباقيين، كأنه حاس إن مجهود اللي بيدوروا بدأ يقل.
      
      *هما قريبين أوي.* فكرت وهي مرعوبة، وبتجري بأسرع ما رجليها والأرض اللي تحتها سامحين.
      
      فجأة، وجع رهيب طلع من تحت رجلها اليمين. الوجع ده سمع لحد ركبتها، ضعف رجلها كلها وخلاها تفقد توازنها وسرعتها. وقعت وهي بتتألم وجع معميها. صرخت وهي بتقع.
      
      في آخر لحظة، لحقت تسند نفسها بإيديها، وأنقذت وشها إنه يخبط في الشوك والطين المتلج. بس، الخبطة كانت لسه قوية كفاية إنها تطلع النفس من رئتها. قعدت تنهج عشان تاخد نفسها، مكنتش قادرة حتى تأن من الوجع بسبب رئتها الفاضية. بعد ثواني مؤلمة، خدت نفس عميق وموجوع وسندت جسمها من فوق بإيديها على الأرض. حست بوجع بينبض في ركبها وبصت عليهم بصة سريعة؛ بقع دم ظهرت على فستانها. بشدة سريعة لفستانها كشفت إن ركبها اتفتحت بسبب الصخور والأغصان المدببة اللي كانت مستخبية تحت زهور شقائق النعمان.
      
      جيد بربشت وهي دايخة وخدت نفس موجوع تاني.
      
      "أنا حاسس إني سمعت حاجة!" صوت جديد زعق. الصوت ده كان أقرب من الأولاني. جيد بصت لفوق وهي يائسة.
      
      وبعدين جه رد يخلي الدم يتجمد في العروق. "سيبوا الكلاب!"
      
      جيد صرخت صرخة غصب عنها لما سمعت نباح الكلاب المتعطشة للدم وهما بينبحوا على أسيادهم عشان يسيبوهم من السلاسل. لجزء من الثانية، كان فيه سكات تام. وبعدين، عواء من المتعة والإثارة ملى الغابة في اللحظة اللي الكلاب اتسابت فيها وخدت الأوامر إنها تصطادها.
      
      *لأ! مش هينفع يمسكوني تاني. دي كانت معجزة إني هربت أول مرة!*
      
      
      
      
      
      
      كانت فعلًا معجزة إن جيد عرفت تطلع سليمة آخر مرة مسكوها فيها. العسكري اللي لقاها كان لوحده، وبعد شد وجذب، جيد عرفت تعوره في رقبته بسكينتها. والعسكري ماسك الجرح اللي بينزف ومصدوم، جيد لقت وقت كافي تهرب. بس الموضوع كان سهل أوي يخلص بإنهم يمسكوها.
      
      جيد زحفت خطوتين لقدام قبل ما تجمع شوية قوة إرادة وتحاول تجبر نفسها تقف على رجليها. جسمها كان رافض تمامًا وهي بتتحرك وفضلت على الأرض. بصت بصة تانية على ركبها وهي بتاخد نفسها. كانوا بينزفوا جامد أوي، ودلوقتي شافت إن كفوف إيديها حصلهم نفس المصير. الجلد على كفيها وركبها كان بينبض بحرارة في موجات. بتنزف.
      
      ركبها كانت بتتبهدل أكتر وهي بتحاول تقوم تقعد على رجليها. *الكلاب هتشم ريحة دمي كمان شوية... مفيش فايدة.* بحذر، لمست ركبتها اليمين. غمضت عينيها من الوجع اللي بيقرص لما كف إيدها لمس الدم الدافي.
      
      الدموع نزلت على وشها وهي بتحاول تتقبل حقيقة إنهم هيمسكوها. كان نفسها ويليام يكون جنبها. أوي. على الأقل وقتها، كان هيبقى عندها فرصة... على الأقل وهو جنبها، مكنتش هتحس بالضعف ده كله. لقت نفسها بتسأل هو بيعمل إيه دلوقتي. هو كويس؟ بيدور عليها؟ هو عايش؟
      
      ذكرى آخر مرة شافته فيها عدت قدام عينيها، في نفس الوقت اللي اللي بيطاردوها بيقربوا. هي كانت عارفة إنها لازم تجري. بس برضه، مقدرتش متعيشش آخر لحظة ليهم مع بعض. إزاي عينيه الزرقة الغامقة كانت متعذبة وهما بيتشدوا من بعض بوحشية على إيد نفس الرجالة اللي بيقربوا منها دلوقتي. إزاي صرخ عشانها. إزاي وقع.
      
      "شايفها!"
      
      جيد فاقت من سرحانها. بربشت مرتين، بصت وراها وشافت الراجل اللي لمحها. كان وقف عشان يشاور لزمايله في السلاح ييجوا وراه قبل ما يجري ناحيتها. عين جيد جت في عينه للحظة بسيطة قبل ما تقوم بسرعة على رجليها وتجري تاني. فجأة ومن غير مقدمات، لقت قوة كافية تتجاهل الخوف اللي كان شاللها من فكرة إنها تتمسك اللي كان مسيطر عليها من ثواني.
      
      "قفي!" العسكري زعق وراها. "بسرعة!" شخط في اللي ماشيين وراه. لما صوته سكت، جيد سمعت صوت الكلاب تاني. هما كمان كانوا بيقربوا بأسنانهم اللي بتخبط في بعض ونباحهم. ده خلاها تجري أسرع. لو مسكوها قبل أسيادهم، وده اللي هي كانت متأكدة إنه هيحصل، كانوا هيقطعوها حتت وممكن حتى يقتلوها قبل ما حد يعرف يبعدهم عنها.
      
      "بطلي جري!" صوت مألوف لدرجة مرعبة زعق. الشخص ده فضل يزعق وشوية وأصوات تانية انضمت لأوامره لما بقت قدام عينيهم.
      
      "يخربيت كده!" جيد كانت بتنهج وجريت وسط الغابة رغم صريخ جسمها وتحايله عشان ترتاح ويرحموها. *كملي جري، يا إما كل ده هيروح على الفاضي!* فكرت وبصت على بطنها لثانية، وبعدين بصت على اللي قدامها.
      
      من بعيد، فجأة شافت خيال مبنى باين من وسط الشجر. كان يا دوب باين، بس كان موجود. للحظة افتكرت إن عقلها بيضحك عليها لعبة وحشة، لحد ما فهمت إنها خلاص وصلت لأطراف الغابة. *أيوة!* بوقها اترسم عليه ابتسامة مرتاحة. *أخيرًا!*
      
      حاجة مسكت في رجلها اليمين. أيا كانت الحاجة دي، بوظت سرعتها جامد ووقعت على الأرض تاني، بس المرة دي الوقعة كانت أنشف. وقعت من غير ما تلحق تسند نفسها، والهوا اتطرد تاني من رئتها بكل قسوة وهي بتخبط في الأرض. غصب عنها، لفت على جنبها وحطت إيدها على بطنها، بتدعي إن الوقعة مكنتش أذتها - أو أذت الصغير. كحت وقعدت تنهج. كانت دايخة من الوقعة. المرة دي كانت خلاص هترجع بسبب الصدمة اللي جسمها اتعرض لها.
      
      "أنا آسفة أوي." همست. مهتمتش حتى تشوف إيه اللي وقعها. بدل كده، قامت وبدأت تجري تاني.
      
      الشجر كان بيعدي من جنبها بسرعة وهي رايحة ناحية المبنى. مكنش فارق معاها أو هي عارفة إذا كانت بتجري على معسكر جيش ولا قلعة. طول ما هو مش تبع الناس اللي بيطاردوها هي مش هتقف. أكيد فيه حليف واحد على الأقل لويليام قريب من هنا. أكيد فيه على الأقل نقطة حراسة أو اتنين قدامها ممكن يحموها. في اللحظة دي هي كانت موافقة على أي حاجة تقريبًا.
      
      لما قربت من طرف الغابة، شافت المبنى أوضح. كان واقف ثابت وبشموخ برة الغابة علطول. المبنى ده كان أجمل حاجة شافتها في حياتها لما عرفت هو إيه؛ دير. مبني من الحجر وليه بيبان ضخمة مزدوجة، كان شكله زي الجنة بالنسبة لها.
      
      الدير كان واقف كأنه أوضح دليل على وجود أي إله سكانه بيعبدوه وماشيين وراه. أيا كان اللي الدير ده معمول علشانه... هو ده المنقذ بتاعها.
      
      البيبان الضخمة كانت معمولة من خشب غامق ومتزينة بحديد أسود معمول على شكل ورد وفروع وشوك. بانلها إنه المكان المثالي عشان تستخبى فيه. كان شكله كأنه واقف هنا من زمان أوي، وعدى عليه عواصف أوحش من اللي بترعد فوقيهم دي. دلوقتي، بقى لازم يستحمل عشرين راجل بيقربوا من مطاردتهم لجيد. دعت إن أيا كان اللي هيقابلها، يدخلها قبل ما يفوت الأوان.
      
      أخيرًا، جيد خرجت من الغابة. الدير كان قدامها علطول، يا دوب تعدي طريق تراب. "الحمد لله!" قالتها ونفسها طالع ببصيص أمل بينور وسط يأسها. دموع الراحة نزلت مكان دموع الوجع والخوف وهي بتجري في قلب العاصفة الممطرة اللي زي الجحيم دي ناحية الدير.
      
      صوت صهيل حصنة جه من بعيد من ناحية الغابة. وقفت، لفت وحست إن جسمها كله اتخشب من الرعب لما شافت فرسان في الغابة. وراهم، جم العساكر المشاة. تلاتة منهم ماسكين الكلاب من طوقهم. كانوا بينبحوا عليها بجنون، ولعابهم بيطير في كل حتة. هما ندهولهم يرجعوا ليه؟ هما فهموا إنهم كانوا هيقطعوها حتت؟
      
      *يخربيت كده! مفيش أي أمل أسبقهم أول ما يطلعوا من بين الشجر ده.*
      
      "أنا آسفة أوي أوي." همست للحياة الصغيرة اللي جواها. الحياة الصغيرة اللي كانت بتحاول على قد ما تقدر إنها تكبر. أكيد الموضوع كان صعب أوي لأنها مكلتش وجبة عدلة من أسبوعين ولا ارتاحت زي ما المفروض واحدة في حالتها ترتاح. بس هي لسه منزفتش... ودي كانت العلامة اللي إليزابيث حذرتها منها. فدي العلامة اللي هي هتفضل مركزة عليها. لو نزفت، يبقى هي كده فقدت الصغير.
      
      "الملكة جيد!" الفارس، اللي هو كان أولف، زعق بلقبها وهو بيتريق من وسط العاصفة. صوته كان ضلمة وبيجبرها متاخدش ولا خطوة زيادة. "استسلمي!"
      
      "غور في داهية!" جيد زعقت في الحثالة اللي بيستخدم لقبها كإنه شتيمة. هو مكنش شايفها ملكة. بالنسبة له، هي كانت مجرد 'مرات المغتصب'، والمزعج بالنسبة له إنها واحدة هربت منه كذا مرة. وهي هتحاول تعملها مرة كمان على الأقل، عشان كده جريت ناحية الدير.
      
      "قفي حالًا!" زأر في الرد.
      
      
      
      
      
      
      
      
      "سيبوني في حالي!" صرخت. الرعد زأر فوقهم كأنه بيقولهم كفاية صريخ.
      
      بدل ما يرد عليها، أولف هز كتفه. بص لزمايله بصة ليها معنى، بيقولهم يجيبوهالها لحد عنده وهو مستني راكب على حصانه من غير ما يعمل أي حاجة بنفسه.
      
      الاتنين اللي راكبين جنبه خلوا حصنتهم تندفع فجأة. الحيوانات هزت راسها مرة أو اتنين قبل ما تقبل أوامر أسيادها وتتجه ناحية جيد. الصف الأول من المشاة جرى وراها هو كمان. كلهم ساكتين، والعنف والكراهية في عينيهم.
      
      جيد جريت على الدير والحوافر والجزم بتتسابق وراها. دي كانت فرصتها الأخيرة، وأضعف من أي مرة قبل كده.
      
      وصلها صوت معدني لسهم وهو بيتسحب من القوس. إزاي انطلق وطار في الهوا. عمل صوت صفير في الريح وهو جاي ناحيتها. غمضت عينيها، مستنياه يخبط فيها. لو أو لما يخبط، كل حاجة هتخلص. جسمها كان مستني الخبطة، الوجع اللي هيخترقه.
      
      لحسن حظها، عدى من جنبها، وغرس نفسه في حجارة الدير. جيد صرخت من الرعب وطلعت جري على السلالم الحجر اللي بتوصل لمدخل الدير.
      
      "يا حمار!" أولف زعق في أيا كان اللي ضرب السهم. "إحنا عايزينها عايشة! إزاي بحق الجحيم-" سكت.
      
      أخيرًا وصلت للبيبان ورمت نفسها عليهم. خبطت بكفوف إيديها اللي كلها دم على الخشب الغامق وشافت سهم تاني بيخبط في الحيطة جنبها. قبضت إيديها وخبطت بيهم على الباب.
      
      "افتحوا الببان!" جيد صرخت بأعلى صوتها. مجاش أي رد.
      
      وراها، قدرت تسمع أولف وهو بيزعق بغضب في حد عشان ضرب السهم التاني. شتايم، وحاجات هي متقدرش توصفها غير إنها كوارث، كانت بتطلع منه زي المية المغلية.
      
      "أرجوكم! افتحوا الببان!" عيطت، وهي بتضغط بإيديها جامد لدرجة إن ضوافرها غرست في كفوفها وهي بتخبط بقبضتها أقوى على الببان. "دخلوني!" برضه، مفيش رد. خبطت أقوى لما سمعت الرجالة بيقربوا. حست إن إيديها هتتكسر من القوة. "بترجاكم! افتحوا!"
      
      فجأة، وصلها صوت من الناحية التانية للباب. سمعت صوت حديد بيزيق وهمهمة من الناحية التانية. أيا كان الشخص ده، صوته كان باين عليه متضايق ومنزعج جدًا من الدوشة اللي هي عاملاها. صوت خبط حديد عالي جوه، وفجأة، شباك صغير أوي في الباب اتفتح فوق عينيها بالظبط. هي مكنتش حتى شافته لحد دلوقتي.
      
      شعاع نور شمعة دافي ضرب في وشها، خلاها تبربش. وراه جت نسمة هوا دافية حستها زي حضن دافي. الشخص اللي في الناحية التانية، خلى وشه مستخبي ورا الشباك الصغير. كل اللي جيد قدرتش تشوفه هو عينين رمادي بتبصلها.
      
      "عايزة إيه يا بنتي؟" صوت راجل سأل. *أنا مش عيلة!* ده كان أول رد فعل لجيد، لحد ما افتكرت موقفها الصعب قد إيه. *ركزي.*
      
      "عاوزة أحتمي! فيه رجالة بيطاردوني!" صرخت والمطر نازل على وشها. "أرجوك، أنا حامل." قالتها وهي مرعوبة. "اديني الأمان!" شهقت بيأس وحست بدموعها نازلة على خدودها زي الأنهار. بصت بصة سريعة وراها وشافت إن رجالة أولف بيقربوا من درجات السلم. "أرجوك..." شهقت.
      
      وهي بتترجى وتتوسل، العساكر كانوا بيقربوا منها. جزمهم بتخبط في الحصى، ونعلهم بيكحت في الطريق. لفت راسها وشهقت لما شافت إن أولف نزل من على حصانه وماشي ناحيتها هو كمان.
      
      "أرجوووووكم!"
      
      "متصرخيش يا بنتي." الراجل زمجر، وصوته متضايق. "أنا سامعك كويس من غير ما تصدعيلي وداني."
      
      "هيقتلوني!" جيد موطتش صوتها. سهم تاني جه طاير ناحيتها. ده بقى خبط في الباب واضطرت توطي.
      
      "إيه ده-؟! يا إلهي... بحق-" الراجل صرخ مصدوم وهو كمان حس بالسهم بيخبط في الباب. "ادخلي يا بنتي! دول أكيد مش رجالة من عند ربنا! يضربوا سهام على واحدة حامل... دي حيوانات مسعورة!"
      
      باب من البابين اتفتح حتة صغيرة. جيد خدت خطوة لورا عشان توسع مكان للراجل لما حاجة خبطتها في ضهر ركبها. اترنحت خطوتين لورا على السلالم الحجر، وبعدين وقعت على ركبها بصرخة وجع. كان فيه حجر كبير اتحدف عليها.
      
      "استسلمي، يا فلاحة." أولف اتنهد، كان واقف على بعد حوالي خمس خطوات وراها. جيد بلعت ريقها وهي بتبص على الحجر وبعدين عليه. وشه كان باين عليه قد إيه هو زهق من مطاردتها، بس كان لسه شكله صارم زي عادته، وإنه هو اللي حدف الحجر.
      
      *خلصت.* فكرت وخدت نفس يائس. *خلصت بجد.*
      
      قدامها فجأة ظهرت رجلين لابسة حاجة بسيطة. بصت لفوق وشافت اللي باين إنه راهب؛ لابس رداء بني. كان جسمه عادي، لا تخين ولا رفيع. هي دايمًا كانت بتتخيل الراهب مدور كله وخدوده منفوخة. مكنش فيه ولا شعرة على راسه، بس حواجبه كانت كثيفة جدًا ولونها بني غامق مايل للرمادي. هنا وهناك، الشعر البني كان قلب رمادي مع سنه.
      
      بان عليه إنه متلخبط أوي لما لاحظ إنها فجأة بقت عند رجليه ومبقتش واقفة، بس بعدين عينيه اترفعت منها للشخص اللي وقعها. عينيه الرمادي اغمقت لما لمح الحجر اللي جنبهم.
      
      جيد سمعت العساكر اللي لابسين دروع بيقربوا منهم وعرفت إن أولف أكيد بقى على بعد خطوة واحدة بس لو الباقيين بيقربوا. صوت سيف بيتسحب من غمده خلاها تتنفض. غمضت عينيها وهي مستنية.
      
      "إيه معنى اللي بيحصل ده، يا عسكري؟" الراهب سأل بصوت حاد. "بتطاردوا واحدة ست شابة لحد عتبة بيت ربي؟ وواحدة حامل كمان! يا للعار!"
      
      "هاتها هنا، يا راهب." أولف أمر، وهو بيتجاهل الإهانة اللي في نبرة الراهب. "متدخلش مناخيرك الكبيرة دي في اللي ملكش فيه. ارجع لجوه لربك."
      
      "لأ." الراهب رد باختصار.
      
      "هي المفروض-"
      
      "هي على أرض مقدسة! وانتو كمان." الراهب قال الكلام كأنه بيفكرهم بحاجة. كان على صوته وخد خطوة لقدام لما بان إنه فهم نوع المشكلة اللي خلت جيد تجري على بيت سيده. "امشوا." وقف على شمالها، زي البرج فوقها. جيد بصت لفوق للمنقذ بتاعها. كان واقف ثابت ومكنش باين عليه إنه خايف ولا الهوا من أولف. حتى مع إن أولف كان ضخم زي الجبل.
      
      "هي هتيجي معانا، يا أيها العجوز الـ-!" أولف زمجر بس قطع كلامه بنفاذ صبر. "هاتها هنا بقولك!" زعق في وسط المطر. كان مرهق. قدرت تسمع في صوته قد إيه هو كاره إنه واقف هنا وبيفاصل مع راهب.
      
      عينين الراهب وسعت، نار جهنمية ولعت فيهم وكانت متوجهة للراجل اللي بيزعقله. بعدين، النار اللي في عينيه انطفت وهديت.
      
      "المكان ده ملاذ آمن." اتكلم بصبر، وإيديه بتترفع ببطء جنبه وكفوفه ناحية السما اللي بتزأر. هي كانت منبهرة إزاي قدر يمسك نفسه إنه ميزعقش هو كمان. "مش هتقدر تلمس شعرة منها طول ما هي على أرض سيدي. امشوا، حالًا." قالها كأنه بيطرد طفل مش متربي.
      
      جيد اتشجعت وبصت بصة على أولف. عينيه كانت مقفولة شوية، وشفايفه مضغوطة على بعض بغضب. رجع لورا، وهو بيزمجر حاجة الراهب بس هو اللي سمعها.
      
      "إحنا مش هنمشي من غيرها!" عسكري زعق فجأة.
      
      "اخرس خالص!" أولف زأر. جيد طلعت شهقة غصب عنها ووطت ناحية رجلين الراهب.
      
      "يبقى هتضطروا تخيموا هنا يا ابني." الراهب رد على العسكري وهو بيوطي وعرض على جيد تمسك إيديه. مسكتهم وخلته يساعدها تقف على رجليها. "انتي مين يا بنتي؟ عملتي إيه وزعلتي مين؟"
      
      
      
      
      -----------------------------------------
      
      أتمنى تكون عجبتكم!
      
      دي منطقة جديدة تمامًا عليا، عمري ما خرجت برة "اختيار الأمير" بالشخصيات دي، بس أنا متحمسة جدًا إني أرجع مع جيد! أتمنى تكونوا انتو كمان متحمسين!
      
      مع حبي،
      
      

      روايه ديستوبيا - عالم في المستقبل سنة ٢٥٦٤

      ديستوبيا

      بقلم,

      خيال علمي

      مجانا

      عالم في المستقبل سنة ٢٥٦٤، الحكومة العالمية فيه بتقسم الناس طبقات وبتقضي على أي حد جيناته "ضعيفة" عشان تعمل سلالة مثالية، فبتقوم ثورة ضدهم. القصة بتركز على "ريكي"، شاب متردد وحزين بعد ما "داي هي"، قائد الثورة اللي كان زي معلمه، بيتقتل. ريكي بيدخل في صراع نفسي، وكمان مع "مين جاي" (ابن داي هي) و"مايكل" (نائب القائد)، عشان يحددوا مين اللي هيقود الثورة بعد كده. الرواية نوعها خيال علمي وديستوبيا (عالم فاسد) وحرب، ومليانة مشاعر حزن وضياع. أسماء مقترحة: "وريث الانتفاضة"، "سقوط المثاليين"، أو "الجينات الأخيرة".

      ريكي

      كان القائد "داي هي" بيعتبره زي ابنه وبيجهزه للقيادة. هو حاليًا محطم ومصدوم بعد موت "داي هي" ومتردد جدًا إنه ياخد مكانه.

      مايكل

      نائب القائد "داي هي" والرجل التاني في الثورة. هو اللي جاب لـ "ريكي" الخبر الوحش، وهو المرشح الطبيعي إنه يمسك القيادة بعد "داي هي".

      داي هي

      قائد الثورة (الانتفاضة). كان راجل ملهم وقوي، وكان زي الأب الروحي لـ "ريكي". اتقتل في بداية الأحداث، وموته هو اللي بيحرك القصة كلها. هو كمان أبو التوأم (مين جاي وأخته).
      روايه حب مجنون
      صورة الكاتب

      في سنة ٢٥٦٤، ارتباط غلط بين واحدة من بيت الجنوب وراجل من بيت الغرب فتح الطريق لسقوط الحكومة العالمية.
      
      برنامج اتفهم لسكان العالم إنه مفيهوش ولا غلطة، طلع إنه مجرد دعاية كدابة عشان يضمنوا إن البشر يفضلوا ماشيين على الخط.
      
      تحت السيطرة.
      
      الهدف بتاع الحكومة العالمية كان إنهم ينتجوا سلالة بشرية مثالية.
      
      الناس اللي عندهم جينات مضرة للمخزون الجيني البشري كانوا بيتشالوا من المجتمع، عن طريق إنهم يتسابوا عشان يفنوا في منطقة الأرض الوسطى.
      
      الناس اللي كانوا بيعتبروهم كويسين كفاية كانوا بيكملوا السلالة، ويخلفوا ورثة بجينات أحسن.
      
      نموذج مثالي لعرق كامل.
      
      قرون من التمييز والفصل بين الطبقات بقت هي العرف الاجتماعي. اللي مكنوش بيسمعوا الكلام كانوا بيتصفوا في السر. اللي كانوا بيشذوا عن القاعدة كانوا بيتشالوا من المجتمع، ومفيش أي سجلات تثبت إنهم عملوا أي خلل في خططهم.
      
      الانتفاضة، الثوار اللي كانوا منبوذين وفاقوا من الحكم القاسي ده، ظهروا على طول بعد كده، بيشقوا طريقهم تحت أجهزة الرصد بتاعة الحكومة العالمية.
      
      يوم سبعتاشر نوفمبر سنة ٢٥٦٤، حصل الهجوم على مبنى الحكومة العالمية ألف.
      
      وده بدأ سلسلة أحداث كلفت أرواح ناس كتير، لكنها كسرت السيطرة اللي الحكومة كانت فرضاها على الناس الكتير المحبوسين تحت حكمهم.
      
      عدى تلاتة وعشرين سنة والثورة كانت لسه مكملة بقوة.
      
      خمس قارات من سكان العالم كان لازم يتحرروا من قيودهم. واحدة منهم؛ منطقة جيم تحت حكم الرئيس كليمنتو اتحررت خلاص.
      
      جه الوقت للأربع قارات الباقيين.
      
      
      
      
      
      ريكي
      
      ريكي بربش، عينيه فضلت متعلقه في عينين مايكل، وعقله وقف عن التفكير. صوت صفارة عالي فضل يرن جوه دماغه، صمّ ودانه. الورق اللي كان ماسكه في إيده اليمين اتكرمش، بس هو تقريبًا مسمعش الصوت. ريقه نشف، وعينيه دمعت، وجسمه كله اتخشب. الجو بينهم كان تقيل أوي، وحاسس بتقل مش شايفه بيهدد إنه يطبق على صدره.
      
      "إيه؟" قالها، وصوته كان يا دوب أعلى من الهمس.
      
      مايكل هز راسه مرة واحدة. هزة سريعة وحاسمة.
      
      صوابعه سابت الورق، فـ وقع اتنطور حوالين رجليه.
      
      مايكل مسح بإيده على وشه، حركاته كانت متقطعة ومتشنجة. "أنا... إحنا حاولنا. كان الوقت اتأخر أوي."
      
      في اللحظة دي ريكي اتحرك. زق مايكل وعدى من جنبه، ورجليه ابتدت تجري قبل حتى ما يفكر. قلبه كان بيدق جامد في صدره وهو بيخرج من الأوضة الصغيرة اللي بيسميها مكتبه. مكنش شايف الناس اللي وسعوله من سكتهم أول ما شافوه.
      
      مش ممكن تكون دي نهاية كل حاجة!
      
      هو اتزحلق زحلقة خفيفة وهو بياخد ملف حاد في الطرقة، رايح ناحية الأوضة الطبية. بطّأ خطواته لحد ما وقف، نَفَسُه كان عالي ومتقطع لما لمح زحمة ناس واقفين بره الأبواب، ومحدش فيهم بيدخل جوه. خد كام خطوة ناحيتهم قبل ما يقف تاني، وهو مدرك إن الرؤية قدامه مزغللة.
      
      الكلمتين اللي طلعوا من زوره بالعافية كانوا ناشفين. "وسعوا."
      
      لما محدش سمعه، قفل إيديه على شكل قبضة ودب برجليه ناحية الناس، بقى يزق فيهم عشان يفتح سكة.
      
      "وسعوا!" ريكي زعق، صوته كان عالي كفاية إنه يخض الناس. "وسعوا!"
      
      رجليه مكنتش شايلاه واتكعبل وسط الناس، لحد ما وقف في الأوضة الصغيرة اللي فيها أربع سراير جنب بعض. في السرير التالت، قدام المدخل بالظبط، ومتحاوط بناس هو عارفهم واتنين دكاترة علّموا نفسهم بنفسهم، كان الضحية راقد. الراجل اللي قاد كل العدد ده من الناس عشان يستردوا حريتهم.
      
      "ريكي،" أمه، إيلي، اتكلمت وشدت انتباهه.
      
      عينيها الزرقا المدمعة بصت في عينيه، وعلى وشها ابتسامة حزينة. ريكي خد كام خطوة ناحيتها ونَفَسُه محبوس في زوره. بعدها بص على الراجل اللي على السرير، راقد من غير أي حركة... ساكن، هادي.
      
      عكس الراجل اللي ريكي اتعود يشوفه عليه تمامًا.
      
      بس هو ده اللي الموت بيعمله في الناس. هو ده اللي الموت عمله فيه.
      
      "كنا فاكرين إنه هيعيش،" ماريلين قالت، وهي بتشد في البالطو الأبيض بتاعها وهي واقفة قلقة جنب السرير. "بس بعدين الأمور اتعقدت ومكنش عندنا موارد كفاية بعد آخر هجمة من الحكومة..."
      
      ريكي مكنش عارف إذا كان عايز يقرب أي خطوة من داي هي. قلبه اتكسر حتت والفجوة الكبيرة اللي في صدره بدأت تفرض نفسها.
      
      هو خسر داي هي. خسر الراجل اللي يعتبر علمه كل أصول الحياة دي.
      
      "آه،" ريكي قالها، وهو بيبلع غصة اتكونت في زوره.
      
      "ممكن تسيبونا لوحدنا كام دقيقة؟" أمه سألت حد، صوتها كان واطي.
      
      مكنش فاهم إزاي صوتها طالع متماسك كده. هو بالعافية ماسك نفسه من جوه. كل حتة فيه كانت بتترعش من الرغبة إنه يصرخ ويكسر أي حاجة حواليه. رغبة عنيفة عشان يسكت الانهيار التقيل ده من الحزن والأسى.
      
      إنكار.
      
      إزاي داي هي، بالذات، يموت؟
      
      "أه، أكيد، طبعًا،" ماريلين قالت.
      
      ريكي تقريبًا محسيش بالزحمة وهي بتمشي، صوت الخطوات الكتير كان بيبعد عن الأوضة الطبية لحد ما كل اللي بقى سامعه هو صوت شهقات أمه وعياط التوأم الخافت — ولاد داي هي. رفع عينيه الزرقا المدمعة ناحية الولد والبنت، اللي كانوا حاضنين بعض. الولد التوأم، الأطول، عينيه جت في عينيه قبل ما ينقل بصته للأرض.
      
      قلبه وجعه.
      
      لمسة أمه على كتفه فوقته من أفكاره. بص لها، وقبل ما يلحق يفكر، كانت خدته في حضن جامد. ريكي حضنها هو كمان من غير تردد، دفن مناخيره في شعرها وهو بيحاول يهدي نفسه. عياطه اتحشر في زوره بس هو كان عارف إنه مش هيسمح لنفسه ينهار قدام شهود.
      
      مش دلوقتي.
      
      كان لازم يفضل قوي.
      
      لو مش عشانه، يبقى عشان أمه اللي محتاجة سند لإنه مبقاش ليها حد غيره دلوقتي. وعشان ولاد داي هي، اللي أكيد مبقاش ليهم أي حد من دمهم يعتمدوا عليه. بعد عنها شوية، وهو بيشهق، وساب أمه تلمس وشه، تمسح الدموع من على خدوده.
      
      "أنا مش مصدق،" ريكي قالها، وصوته كان مبحوح.
      
      "ولا أنا،" قالتها وهي بتهز راسها وبطبطب على إيديه. "بس... إحنا كنا عارفين إن مفيش حد في أمان لما دخلنا في الموضوع ده."
      
      "أنا عارف." بس ده ميخليش الموضوع أسهل.
      
      دي كانت نتيجة الشغلانة دي. عشان يعملوا تغيير كبير زي ده، كانوا محتاجين تضحيات. دي كانت حقيقة قاسية ريكي اتفرضت عليه من أول ما يفتكر. مد إيده يلمس إيدين أمه، صوابعه لفت حوالين صوابعها. نَفَس مرتعش خرج من بوقه، بعت قشعريرة في ضهره كله.
      
      داي هي مات.
      
      "لازم تشوفه آخر مرة،" إيلي قالت. "قبل ما يتدفن."
      
      ريكي هز راسه، هزة ناشفة.
      
      هو مكنش عايز، لو هنتكلم بصراحة، يشوف داي هي آخر مرة. كان عايز يحافظ على الذكرى اللي عنده للراجل ده ومش عايز آخر حاجة يشوفها ليه تكون وهو راقد على السرير، مبـ يتحركش وبارد لو اتلمس. أمه خدت خطوة لورا، وشالت إيديها من على وشه. شاورت بصباعها الإبهام ناحية مدخل الأوضة الطبية.
      
      
      
      
      
      
      
      
      "أنا هستناك بره."
      
      "ماشي يا ماما،" ريكي قال، وهو منزل عينيه على الأرض البيضا.
      
      مسح بإيده على وشه، ورفع راسه قبل ما يفرد كتافه. عينيه كانت بتحرقه من الدموع المحبوسة، اللي بتهدد إنها تنزل تاني على خدوده. مع كل خطوة تقيلة، كان بيقرب من السرير، ولمس الحديد بتاع السرير اللي كان مرفوع على الجنبين. اللمسة السقعانة سابت زي لسعة تحت جلده.
      
      عينين داي هي كانت مقفولة وجسمه كان مسترخي. كان شكله هادي بالرغم من الكدمة اللي على خده اليمين. ريكي مكنش عايز يعرف هو اتصاب فين بالظبط الإصابة اللي قتلته. كان أحسن إنه ميعرفش.
      
      مكنش حاسس إنه هيقدر يستحمل حتى لو عرف.
      
      "بابا راح،" الولد التوأم قال، وصوته كان عميق ومبحوح.
      
      "أنا عارف،" ريكي رد. "أنا عارف."
      
      "كل حاجة هتبقى كويسة، صح؟" البنت التوأم بعدت شوية عن حضن أخوها، وبصت في عينين ريكي مباشرة.
      
      شفايفها كانت مقشفة وعينيها غرقانة من كتر العياط. صوتها كان واطي وخايف، وكتافها كانت مضمومة على نفسها كأنها بتحاول تبين أصغر ما هي. قلبه وجعه وهو شايف إزاي موت حد غالي ممكن يأذي حد أوي كده.
      
      ريكي فتح بوقه عشان يطمنها، عشان يقولها إن الأمور فعلًا هتبقى كويسة. كل اللي كانوا محتاجينه هو شوية وقت.
      
      بس الوقت ده كان الحاجة الوحيدة اللي مكنش عندهم منها كتير. خصوصًا وفيه حرب شغالة بره. عشان كده، قفل بوقه وبص بعيد. بص بصة سريعة على داي هي، حفظ ملامح وشه لآخر مرة قبل ما ياخد خطوة ويبعد عن السرير.
      
      ساب التوأم، وخرج من الأوضة الطبية.
      
      ***
      
      الجو في المخبأ الصغير كان كئيب وحزين. ومع ذلك، الناس كانت لسه بتتحرك زي النحل، بيشتغلوا وبيجهزوا للمرحلة الجاية من الثورة. مكنش فيه وقت للوقوف والحزن زي ما المفروض على موت قائدهم المحبوب.
      
      ريكي قعد على حرف سريره. القاعة اللي هو فيها دلوقتي كانت فاضية. كان فيه حوالي عشر مراتب تانيين مرصوصين في صف واحد، ومفيش ولا واحدة مشغولة غير بتاعته. رقد على الملايات، وهو باصص للسقف وبيتنهد. التعب كان بيطفي روحه المعنوية عشان يكمل، والحزن كان بيهدد إنه يجيبله صداع نصفي.
      
      كان فاكر بوضوح الوقت اللي قضاه مع داي هي. قفل إيديه على شكل قبضة وهو حاططهم على صدره. الذكريات نورت في دماغه، وصوته العميق كان شغال معاها وهو بيفتكر اللي فات. كان لسه من كام يوم بس لما داي هي إداله في إيده مشروب كحولي مخصوص.
      
      "متقولش لحد بس أنا عملت دول لما كان عندي شوية وقت فاضي. معمولين من العسل." داي هي ابتسم ابتسامة عريضة زي العيل اللي اتقاله مسموحلك تاكل سكر قبل ما تنام.
      
      المشروب الكحولي اللي بالعسل ده مكنش طعمه وحش.
      
      ودلوقتي، مش هيقدر يتعلم إزاي اتعمل ولا يشوف العنين دي وهي بتلمع بشقاوة كل ما يحس إن ريكي محتاج يفك شوية. القائد السابق للانتفاضة كان بياخد شغله بجدية، بس لما كان بيريح وريكي جنبه، كان بيبقى راجل عنده أمل في مستقبل أحسن، وعيل صغير محبوس في جسم راجل كبير.
      
      "كان ممكن تكدب عليها وتقولها إن كل حاجة هتبقى كويسة." الصوت المألوف اللي بيمط في الكلام رن في الأوضة الفاضية، وخض ريكي.
      
      لف راسه على جنبه ولمح مين جاي.
      
      "أنا مبعرفش أكدب،" ريكي قالها بوضوح. "هي تستاهل الحقيقة."
      
      "أه، والحقيقة زعلتها أكتر، فـ شكرًا يعني،" الولد التوأم رد عليه وهو بيتحرك عشان يقعد جنب جسم ريكي الممدد.
      
      ريكي مردش على قلة ذوقه دي. بدلًا من كده، غمض عينيه وخد نَفَس عميق، مكنش عايز حاجة أكتر من إنه ينام عشان يهرب من الوجع اللي في صدره ده.
      
      "هيواحشني."
      
      ريكي فتح عينيه فجأة عشان يبص لمين جاي، قلبه اتقبض في صدره لما عينيه الزرقا قابلت العنين البني الشوكولاتة.
      
      "وأنا كمان يا جاي،" ريكي قال، وهو بيسند نفسه عشان يقعد. "كان راجل عظيم."
      
      "بس كان أب زي الزفت." مين جاي هز راسه، وهو بيعدي صوابعه في شعره الأسود. "بس هو عمل اللي عليه."
      
      ريكي ابتسم ابتسامة خفيفة، بالعافية كان حاسس بيها. "إنتو الاتنين مكنتوش أسهل عيال تتربى."
      
      الرد كان إنه لواله بوقه وقلب عينيه.
      
      الصمت فضل بينهم شوية قبل ما مين جاي يعدل جسمه عشان يبقى في وش ريكي. "وبعدين؟"
      
      "معرفش،" ريكي رد، وهو بيدعك كفوف إيديه في بعض وموطي لقدام. "إحنا محتاجين نختار قائد جديد وأنا بفترض إنه هيكون مايكل. هو كان الراجل التاني بعد داي هي."
      
      "إنت كمان ممكن تبقى قائد كويس يا ريكي،" مين جاي اتكلم، وشد انتباهه.
      
      ريكي هز راسه، وهو بيستخف بمجرد فكرة إنه يقود تمرد. "أنا مش مناسب للشغلانة دي."
      
      "إنت هنا من وإنت عندك كام؟ تلات سنين؟" مين جاي وضحله. "أنا عارف إن بابا كان بيدربك عشان تمسك التمرد."
      
      ريكي هز كتافه. "يمكن ده حقيقي بس ده مش معناه إني مناسب للشغلانة. أبوك كان واثق فيا زيادة عن اللزوم." بعد ثانية، كمل: "وبعدين، أنا هنا من وأنا عندي خمس سنين. عشان تبقى عارف بس."
      
      "تلاتة، خمسة، أي حاجة، إنت هنا من وإنت عيل، هي دي النقطة،" مين جاي قال.
      
      "وإنت هنا من ساعة ما اتولدت،" ريكي رد عليه بسرعة. "طب ليه متتحدّاش إنت مايكل على المنصب؟ إنت ابنه في الأول والآخر."
      
      مين جاي كشر، والاستياء كان باين بوضوح على وشه كله. ريكي كان هيبتسم غصب عنه من منظر وشه ده. كان شبه داي هي أوي لما مكنش بيمشي كلامه. هز راسه والابتسامة اختفت، وحل مكانها الحزن.
      
      "بالنسبة لراجل عنده تلاتين سنة، إنت جبان أوي،" مين جاي قال.
      
      ريكي وقف حركة للحظة بسيطة. الوجع اللي حس بيه في عقله خلاه يكشر. نزل عينيه لإيديه وقطب حواجبه.
      
      "أنا عندي تمانية وعشرين، يا عيل،" ريكي قال، وصوته كان يا دوب مسموع. "لسه بالعافية موصلتش تلاتين."
      
      زق نفسه وقام من على السرير ووقف.
      
      "أنا عندي واحد وعشرين سنة! متقوليش يا عيل!" صوت مين جاي رن في حيطان القاعة. "رايح فين؟"
      
      ريكي متجاهلوش وهو ماشي بسرعة طالع من المكان، وحاطط إيديه في جيوب بنطلونه. حاول يبعد عن دماغه الوجع اللي حس بيه لما اتقاله جبان. اتنهد، وكتافه نزلت لتحت وهو موطي راسه شوية.
      
      مين جاي مكنش فاهمه وده كان عادي.
      
      لو ده معناه إن ريكي جبان، خلاص، يبقى هو كده فعلًا.
      
      

      حلمي إلى كوريا

      حلمي إلى كوريا

      بقلم,

      رومانسية كورية

      مجانا

      بنت هندية شابة عندها شغف كبير بكوريا الجنوبية وثقافتها. القصة بتابعها وهي بتتعلم اللغة وبتخطط لسفريتها اللي بتحلم بيها. بتسافر بريا لوحدها لسيول مليانة حماس ومغامرة، مش بس عشان تستكشف بلد جديدة، لكن كمان عشان تقابل "آرمان"، صاحب طفولتها اللي عايش هناك وميعرفش بزيارتها. الرواية هي رحلة لاكتشاف الذات والصداقة ومواجهة المجهول في بلد غريب.

      بريا

      هندية طموحة ومغامرة، بتحب الثقافة الكورية جدًا وقررت تسافر كوريا الجنوبية لوحدها عشان تحقق حلمها وتفاجئ صاحبها القديم.

      آرمان

      صاحب بريا من أيام الطفولة في الهند. عيلته عزلت وراحوا عاشوا في كوريا الجنوبية من سنين، وبريا رايحة تقابله من غير ما يعرف.

      جيسو

      طالبة كورية قابلتها بريا في الجامعة، وهي اللي زرعت فيها حب كوريا بقصصها عن بلدها.
      حلمي إلى كوريا
      صورة الكاتب

      القصة دي كلها عن حياة بريانكا. بريانكا كانت شابة عندها رغبة جبارة في السفر والترحال. شغفها بالثقافات المختلفة وعطشها للمغامرة كانوا هما القوة اللي بتزقها تستكشف العالم. ومن بين كل الأماكن اللي كانت نفسها تروحها، كوريا الجنوبية كان ليها مكانة خاصة في قلبها. كانت بلد مليانة تناقضات، التقاليد فيها بتمتزج ببساطة مع الحداثة، وجاذبية أكلها ومزيكتها وتاريخها كانت دايمًا بتنادي عليها.
      
      هي كبرت في بيت دافي مليان كتب وفن، وده بفضل باباها، أستاذ التاريخ، ومامتها، الفنانة. هي كانت دايمًا حواليها قصص عن أراضي بعيدة وثقافات غريبة. القصص دي ولّعت جواها حاجة، فضول عميق عن العالم اللي بره بلدها الصغيرة.
      
      بس لما بريانكا دخلت الجامعة، افتتانها بالسفر لقى نقطة يركز عليها. في محاضرة من محاضراتها، قابلت جيسو، طالبة تبادل من كوريا الجنوبية. العرض اللي قدمته جيسو بحماس عن بلدها رسم صورة حية لثقافة كوريا الجنوبية الغنية وتقاليدها. بريانكا اتسحرت، وكانت مركزة في كل كلمة جيسو بتقولها عن شوارع سيول الزحمة، والاحتفالات الملونة، والأكل اللي يفتح النفس.
      
      بريانكا اتشجعت من قصص جيسو، وراحت بكل حماسها تتعلم أكتر عن كوريا الجنوبية. انضمت لجيسو في دروس لغة كورية، وكانت متحمسة تفهم أساسيات اللغة. ورغم التحديات الأولية في تعلم لغة جديدة، بريانكا كانت مصممة إنها تتقنها. وبمساعدة المصادر على النت، وتطبيقات اللغات، وشوية توجيهات من جيسو من وقت للتاني، بدأت مهاراتها في الكوري تتحسن واحدة واحدة.
      
      بريانكا موقفيتش عند دروس اللغة بس؛ هي كانت عايزة تغطس في كل حتة من الثقافة الكورية. قضت ساعات بتتفرج على مسلسلات كورية ورا بعض، وبتسرح في القصص الجذابة والتصوير الجميل. هي كمان جربت تطبخ أكل كوري، وحاولت تعمل أكلاتها المفضلة تاني بنسب نجاح متفاوتة. وسط كل ده، هي لقت متعة في عملية التعلم واستكشاف حاجة جديدة.
      
      بس رحلة بريانكا مكنتش من غير تحديات. في السكة، قابلت تشكيك من بعض زمايلها اللي مكنوش فاهمين سر انبهارها بالثقافة الكورية. كانوا بيسألوا عن فايدة اللي بتعمله، ومستغربين ليه بتستثمر كل الوقت والمجهود ده في حاجة شايفينها تافهة. رغم شكوكهم، بريانكا فضلت ثابتة في سعيها، مدفوعة بشغفها للاستكشاف والاكتشاف.
      
      كل ما معرفة بريانكا باللغة والثقافة الكورية بتزيد، كل ما رغبتها في تجربة كوريا الجنوبية بنفسها بتكبر. كانت بتحلم تمشي في شوارع سيول، وتدوق أكل الشارع من الأسواق المليانة حركة، وتستمتع بمناظر وأصوات البلد المليانة حيوية دي. بس، إقناع أهلها إنهم يخلوها تسافر كوريا الجنوبية مكنش حاجة سهلة. كانوا قلقانين عليها تسافر لوحدها لبلد غريبة، على بعد آلاف الأميال من البيت.
      
      لكن بريانكا كانت مصممة تحول حلمها لحقيقة. شرحت لأهلها بصبر أسباب رغبتها في زيارة كوريا الجنوبية، وركزت على الإثراء الثقافي والتطور الشخصي اللي هي مؤمنة إنها هتكسبه من التجربة دي. بعد مناقشات كتير وتأكيدات إنها هتكون في أمان، أهل بريانكا وافقوا على سفرها على مضض.
      
      بعد ما خدت موافقة أهلها، بريانكا بدأت تخطط لرحلتها لكوريا الجنوبية بجدية. دورت على برامج للسفر، ونقّبت في النت عن أماكن إقامة سعرها معقول، ورسمت خطط زياراتها للمعالم السياحية بدقة. كل تفصيلة كانت متخططلها بعناية، من أول الأماكن السياحية المشهورة اللي لازم تتزار، لحد الجواهر الخفية اللي المسافرين التانيين نصحوا بيها.
      
      ولما معاد السفر قرّب، بريانكا حست بمشاعر متلخبطة. حماس، وترقب، وشوية توتر، كله دخل في بعضه وهي بتحضر نفسها لمغامرة عمرها. مقدرتش تمنع نفسها من الإحساس بالفخر باللي وصلتله من أول مرة عرفت فيها عن كوريا الجنوبية في الجامعة. السفرية دي كانت أكتر من مجرد إجازة؛ كانت تتويج لشغفها بالاستكشاف وإصرارها على ملاحقة أحلامها.
      
      وأخيرًا، جه اليوم اللي بريانكا هتركب فيه طيارتها لكوريا الجنوبية. وهي قلبها بيدق جامد من القلق ومبسوطة في نفس الوقت، ودّعت أهلها وصحابها وبدأت رحلتها. والطيارة طايرة في السما، بريانكا بصت من الشباك، منبهرة بوسع العالم تحتها. هي كانت عارفة إن دي مجرد بداية مغامراتها في كوريا الجنوبية، ومكنتش قادرة تستنى تشوف إيه العجايب اللي مستنياها الناحية التانية.
      
      اقرا الفصل الجاي عشان تعرف أكتر عن بريانكا وحياتها، وكل المشاكل، والمتعة، وغيره اللي قابلتها في أوقاتها الجاية.
      
      
      
      
      
      
      
      بريا، شابة مليانة حيوية من مدينة صغيرة في الهند، كان دايمًا جواها حب للمغامرة. قلبها كان بيرفرف من الحماس وهي بتحضر لرحلة طيرانها من الهند لكوريا الجنوبية. السفرية دي مكنتش مجرد سفر وخلاص؛ دي كانت عشان تسعى ورا أحلامها وتواجه المجهول.
      
      الصبح يوم سفرها، بريا صحيت على أشعة الشمس الخفيفة اللي داخلة من شباكها، ونشرت نور دافي في أوضتها. هي كانت قضت الليلة اللي قبلها بترتب شنطها بحرص، بتتأكد إن معاها كل حاجة محتاجاها لرحلتها. جواز سفرها، ومذكرات السفر بتاعتها اللي بتحبها، وكاميرتها اللي بتعتمد عليها، كلهم كانوا متشالين بأمان في شنطتها. بصت بصة سريعة في الأوضة عشان تتأكد إنها منسيتش حاجة، وحست بموجة حماس بتجري في عروقها. النهاردة هو اليوم اللي كانت بتحلم بيه من زمان أوي.
      
      وهي في طريقها للمطار، بريا مقدرتش تمنع إحساس الترقب اللي بيكبر جواها. أفكار عن المغامرات اللي مستنياها في كوريا الجنوبية كانت بتتنطط في دماغها، وبتملأها حماس وفرحة. هي طول عمرها كانت منجذبة للثقافة المليانة حياة، والمناظر الطبيعية الخلابة، ووعد التجارب الجديدة اللي كوريا الجنوبية بتقدمه. السفرية دي كانت تتويج لسنين من الأحلام، والتخطيط، والتحويش، وبريا كانت مستعدة تستغل كل لحظة فيها.
      
      في المطار، زحمة المسافرين ودوشتهم، وريحة القهوة الطازة، وصوت محركات الطيارات من بعيد، كانوا ماليين الجو. بريا وقفت في طابور تسجيل الدخول لرحلتها، وقلبها كان بيدق جامد من الحماس مع كل خطوة بتقربها من الشباك. موظفين شركة الطيران رحبوا بيها بابتسامات دافية، وحسسوها بالترحاب والراحة. ولما استلمت كارت ركوب الطيارة، قلب بريا طار من الفرحة. خلاص - هي بجد رايحة كوريا الجنوبية.
      
      بعد ما عدت من التفتيش الأمني، بريا لقت نفسها في منطقة السوق الحرة الزحمة في المطار، حواليها تشكيلة مبهرة من البضايع الفاخرة، والعطور، وحلويات من كل حتة. مقدرتش تقاوم إنها تدلع نفسها شوية، واشترت شوية منتجات كورية للعناية بالبشرة عشان تدلع نفسها في رحلتها. وهي بتتفرج على الممرات، مقدرتش تبعد إحساس الحماس اللي بيفور جواها. دي كانت بداية حاجة رهيبة.
      
      كان فاضل شوية وقت قبل طيارتها، فبريا لقت ركن هادي جنب بوابتها وخدت لحظة تفكر في رحلتها. افتكرت الساعات اللي ملهاش عدد اللي قضتها بتتعلم عن ثقافة وتاريخ كوريا الجنوبية، وغطست في اللغة، وحلمت باليوم اللي هتحط فيه رجلها أخيرًا في البلد الجميلة دي. من أول مذاكرة العبارات الكورية الأساسية لحد مشاهدة المسلسلات والأفلام الكورية، بريا كانت بتستقبل بلهفة كل حاجة ممكن تعرفها عن كوريا الجنوبية، ومتحمسة تتواصل مع شعبها وتندمج في ثقافتها الغنية.
      
      ولما نداء ركوب الطيارة صوته رن في المطار، قلب بريا دق جامد. هي دي - اللحظة اللي كانت مستنياها. وإحساس الترقب بيكبر جواها، انضمت لطابور الركاب اللي طالعين الطيارة، وحماسها بيوصل لمستويات جديدة مع كل خطوة بتقربها من الطيارة.
      
      أول ما ركبت، بريا لقت كرسيها واستقرت فيه، وقلبها لسه بيدق بسرعة من الترقب. والطيارة بتمشي على ممر الإقلاع، مقدرتش تمنع إحساس بالانبهار يغمرها. دي كانت بداية مغامرتها، وهي كانت مستعدة تستقبلها بإيدين مفتوحة.
      
      والطيارة بتحلق في السما، بريا حست باندفاع من الحماس غمرها. مكنتش مصدقة إنها أخيرًا في طريقها لكوريا الجنوبية، مكان مكنش موجود غير في أحلامها لحد دلوقتي. ومع كل دقيقة بتعدي، كانت بتحس بالترقب بيكبر جواها، زي الذروة في سيمفونية جميلة. هي كانت عارفة إن الرحلة دي هتكون تجربة عمرها ما هتنساها.
      
      نظام الترفيه في الطيارة كان بيعرض مجموعة من الأفلام والمزيكا الكورية، وبريا اندمجت فيهم بحماس. هي كانت مصممة توصل كوريا الجنوبية بفهم أعمق للثقافة وشعبها، وإيه أحسن طريقة تعمل بيها كده غير إنها تغطس في الترفيه الكوري؟ وهي بتتفرج على الأفلام وبتسمع المزيكا، بريا مقدرتش تمنع إحساس بالتواصل مع البلد اللي هي رايحة تزورها. كان كأنها خلاص هناك، بتعيش كل حاجة بنفسها.
      
      مع مرور الساعات والطيارة بتقرب من وجهتها، حماس بريا كان عمال يزيد. مكنتش قادرة تستنى تهبط في كوريا الجنوبية وتبدأ تستكشف كل حاجة عندها تقدمها. من شوارع سيول الزحمة لجمال أريافها الهادي، كان فيه حاجات كتير أوي نفسها تشوفها وتجربها. والطيارة بتهبط ناحية الممر، بريا حست بإحساس نشوة بيغمرها. خلاص - دي بداية مغامرتها الكورية الجنوبية، وهي كانت مستعدة تنط فيها بكل قوتها.
      
      أخيرًا، الطيارة لمست أرض كوريا الجنوبية، وبريا حست بموجة حماس وهي بتنزل من الطيارة على أرض المطار. هي وصلت، والمغامرة كانت لسه بتبتدي. بخطوة خفيفة وابتسامة على وشها، بريا عدت من الجوازات وراحت لمكان إقامتها، متحمسة تبدأ تستكشف كل حاجة كوريا الجنوبية بتقدمها.
      
      وهي بتستقر في مكان إقامتها، بريا مقدرتش تمنع إحساس بالرهبة لما استوعبت إنها أخيرًا في كوريا الجنوبية. من شوارع سيول المليانة حياة لجمال أريافها الساحر، كان فيه كتير أوي نفسها تشوفه وتجربه. ومع كل لحظة بتعدي، حماسها كان بيزيد. دي كانت بداية حاجة رهيبة، وبريا كانت مستعدة تستغل كل لحظة.
      
      وهي نايمة على سريرها بالليل، بريا مقدرتش تمنع إحساسها بالامتنان للفرصة دي إنها تبدأ المغامرة دي. من اللحظة اللي ركبت فيها الطيارة في الهند للإحساس المثير وهي بتحط رجلها في كوريا الجنوبية، كل لحظة كانت مليانة حماس وانبهار. وهي بتغرق في النوم، بريا كانت عارفة إن الأيام الجاية فيها احتمالات ملهاش نهاية، ومكنتش قادرة تستنى تشوف مغامرتها الكورية هتوصلها لفين.
      
      وبريا قاعدة في كرسيها في الطيارة، بتبص من الشباك على المناظر الطبيعية الخلابة تحتها، أفكارها راحت لصاحب طفولتها، آرمان. آرمان وبريا كانوا مبيفترقوش أبدًا في الهند، وكانوا بيشاركوا مغامرات وأسرار وأحلام ملهاش عدد. لكن الحياة خدت آرمان وعيلته لكوريا الجنوبية من كام سنة، وعزلوا وسابوا بريا وراهم. رغم المسافة، صداقتهم فضلت قوية زي ما هي.
      
      الدموع اتجمعت في عين بريا وهي بتفكر في الذكريات اللي شاركتها هي وآرمان. من اللعب مع بعض في الجنينة لاستكشاف الغابات اللي جنب بيوتهم، صداقتهم كانت مصدر للفرحة والراحة طول السنين. ودلوقتي، وبريا مسافرة لكوريا الجنوبية، مقدرتش تمنع إحساس متجدد بالتواصل مع صاحبها.
      
      مع كل ميل بيعدي، حماس بريا كان بيزيد، وهي عارفة إنها بتقرب من اللحظة اللي هتقابل فيها آرمان تاني. مكنتش قادرة تستنى تشوف نظرة المفاجأة والفرحة على وشه لما تظهر فجأة قدام باب بيته. دي هتكون لحظة هما الاتنين هيفضوا فاكرينها طول عمرهم.
      
      ولما الطيارة هبطت في كوريا الجنوبية، قلب بريا كان بيدق بسرعة من الترقب. هي لمّت حاجتها، وعدت من الجوازات، وراحت لمكان إقامتها.
      
      

      شعب السماء - روايه خيال علمي

      شعب السماء

      بقلم,

      مغامرات

      مجانا

      محاربة شجاعة من "شعب الشجر"، حياتها الهادية بتتقلب لما جسم غريب بينزل من السما شايل ناس اسمهم "شعب السما". "چويلا" فضولها بيخليها تتسحب وتراقبهم لوحدها وتشوفهم ضعاف، عكس "آرين" زميلها المحارب اللي شايفهم خطر كبير ولازم يموتوا. الأحداث بتبدأ لما "آنيا" القائدة بتكلف "چويلا" و"آرين" يتعقبوهم. الصراع بيبدأ فعلاً لما "آرين" بيقتل واحد من "شعب السما" قدام عينها، وده بيحط "چويلا" في اختبار صعب بين ولائها لقومها وبين شكوكها.

      چويلا

      محاربة قوية وعنيدة، بس قلبها طيب. "آنيا" ربتها بعد ما أهلها اتقتلوا. عندها فضول ناحية "شعب السما" ومش شايفة إنهم أشرار.

      آنيا

      قائدة "شعب الشجر". حازمة وقوية، وبتعتبر "چويلا" زي أختها الصغيرة بس بتعاملها بشدة عشان تحميها.

      آرين

      محارب قوي ودمه بارد. بيكره "شعب السما" جدًا ومقتنع إنهم خطر ولازم يتقتلوا، خصوصًا بعد ما دمروا قرية.
      شعب السماء - روايه خيال علمي
      صورة الكاتب

      أنا اتخبيت ورا شجرة كبيرة عشان ميشوفنيش. بصيت من ورا الشجرة ولمحت الغزال الضخم اللي كنت ماشية وراه وهو بياكل. هو كان لسه مشفنيش ولا سمعني، فحضرت القوس والسهم بتوعي.
      
      بصيت تاني عشان أتأكد إنه لسه متحركش من مكانه. وإنا براقب الغزال، رفعت عيني لفوق شوية وسط الشجر اللي وراه، ولمحت واحد تاني من قبيلتي. بدل ما يكون معاه قوس زيي، كان ماسك بلطة. أنا عرفت فوراً الراجل ده مين. ده كان لينكولن.
      
      هو نَشِّن بالبلطة بتاعته على الغزال الضخم، بس قبل ما يحدفها، كنت أنا خلاص ضربت السهم بتاعي. السهم مضربش الغزال، بس خبط في الشجرة اللي وراه. الغزال جري. لينكولن نط من على الشجرة واتقابلنا إحنا الاتنين في نص الطريق.
      
      "إنت بتعمل إيه هنا؟ أنا افتكرت إني فهمتك إني الوحيدة اللي بصطاد في المنطقة دي." قلتها بنبرة صوت متغاظة.
      
      في الصيد بالذات، كنت بحب أكون لوحدي.
      
      لينكولن كان راسم ابتسامة خفيفة على وشه وهو بيبصلي. أنا ولينكولن نعرف بعض طول عمري، بس مبقيناش صحاب غير من كام سنة فاتوا. هو كان عارف إني مستحيل أزعل منه بجد. قرب مني خطوتين تلاتة وهو بيقول:
      
      "عارف. مكنتش متخيل إنك هتلاحظيني. إنتي شوفتيني قبل ما أنا أشوفك."
      
      ضحكت ضحكة خفيفة. أهو على الأقل حاول.
      
      "يلا بينا،" أنا قلت، "لازم نرجع تاني. ده كان أول حيوان كبير أشوفه من ساعة ما خرجت. جايز الصيادين التانيين قدروا يصطادوا حاجة."
      
      أنا لفيت وبدأت أمشي في اتجاه قبيلتنا. المكان كان على بُعد حوالي خمسة أميال من مطرح ما أنا ولينكولن كنا واقفين. مشينا وإحنا ساكتين شوية. دي كانت حاجة من الحاجات اللي بتعجبني في لينكولن. مكنش بيتكلم كتير، وأنا كمان مكنتش بحب الرغي.
      
      وإحنا ماشيين، سمعت صوت زي زلزلة عميقة. الصوت كان جاي من فوق. أنا عرفت إن لينكولن سمعه هو كمان، لإنه شد دراعي عشان يوقفني ومكملش مشي.
      
      إحنا الاتنين بصينا لفوق، وشوفنا جسم غريب شبه النجمة وهو بيقع من السما، وكان سايب وراه ديل من الدخان والنار. الجسم ده نزل على بُعد حوالي من أربعين لخمسين ميل مننا.
      
      أنا ولينكولن بصينا لبعض، وبعدها طلعنا نجري بأقصى سرعة في اتجاه قبيلتنا. في الوقت ده كنا خلاص قربنا، فاضل حوالي ميل واحد ونوصل.
      
      عقبال ما وصلنا عند القبيلة، كان نَفَسنا مقطوع وحاسين بتعب شديد. بصينا حوالينا ولقينا كل الناس واقفة بتتكلم عن الجسم الغريب اللي وقع من السما. محدش فينا عمره شاف حاجة زي دي قبل كده، وعشان كده أغلبهم كانوا مرعوبين.
      
      آنيا، واحدة من القادة بتوعنا، كانت عطت أوامر لأحسن كام محارب عندنا إنهم يروحوا يشوفوا إيه الجسم ده، ويتأكدوا إذا كان هيمثل تهديد على شعبنا، "شعب الشجر"، ولا لأ. المحاربين لموا أسلحتهم ومشيوا على طول.
      
      أنا كنت قلقانة. كنت عارفة إن فيه قرية صغيرة موجودة في نفس المكان اللي الجسم ده نزل فيه. كان نفسي ميحصلش أي حاجة وحشة للناس اللي عايشين هناك. هما كمان من "شعب الشجر" زينا. كان نفسي أطلع مع المحاربين. ما أنا برضه محاربة زيهم.
      
      بس أنا كنت عارفة إن آنيا مكنتش هتوافق إني أروح.
      
      آنيا كانت زي أختي الكبيرة بالظبط. أهالينا كانوا صحاب قُريبين. هي عارفاني من ساعة ما كنت لسه بيبي، زيها زي لينكولن. وعشان كده لما أبويا وأمي اتقتلوا على إيد "رجال الجبل" وإنا عندي سبع سنين، هي اللي خدتني وربتني عشان أكون محاربة وصيادة كويسة. عشان أكون جريئة ومبخافش من حاجة، زيها هي. والنتيجة النهائية كانت أنا. چويلا.
      
      
      
      
      
      
      
      
      كان لازم على الأقل أحاول.
      
      مشيت ناحية آنيا. كانت بتتكلم مع مساعدتها، ليكسا. آنيا كانت زي مُعلمة ليها. كانت بتدرب ليكسا على القيادة.
      
      لما آنيا شافتني ماشية ناحيتها، بان على وشها نظرة كأنها عارفة بالظبط أنا رايحة أطلب إيه. وأعتقد هي فعلاً كانت عارفة، لإني أول ما وقفت قدامها، قالت "لأ".
      
      "ليه لأ؟" أنا سألت. "ما أنا كمان محاربة."
      
      "مش هتروحي." آنيا قالتها بحسم. "إحنا منعرفش ده إيه بالظبط."
      
      اتنهدت وبصيت في الأرض وهي كملت كلامها وادتني مُحاضرة عن قد إيه الجسم ده ممكن يكون خطير، وإنه بعيد قوي، وإنها مش عايزاني أروح عشان هي محتاجاني هنا. في اللحظة دي أنا فصلت خالص ومبقتش مركزة معاها.
      
      "إنتي أصلاً سامعاني؟" آنيا سألتني.
      
      فوقت من سرحاني وهزيت راسي. آنيا لفت ومشيت، وليكسا ماشية وراها على طول.
      
      المفروض آنيا تكون عارفاني أكتر من كده. أنا شخصية عنيدة.
      
      أنا كمان كام شهر هتم عشرين سنة. مش محتاجة إذن من آنيا في كل حاجة، وخصوصاً في دي. عشان كده خدت قرار إني همشي بالليل، بعد ما المحاربين يرجعوا.
      
      عقبال ما المحاربين رجعوا، كانت الشمس بتغرب. كل الناس اتلمت حواليهم وعمالين يزعقوا ويسألوا. آنيا قربت منهم وطلبت إنهم ييجوا وراها على كوخ صغير بيستخدموه للاجتماعات المهمة.
      
      أول ما دخلوا، أنا مشيت بالراحة وبهدوء ناحية الكوخ، زي ما بعمل بالظبط وإنا بصطاد. لما وصلت عنده أخيراً، مسمعتش غير كام كلمة. كانوا بيتكلموا بصوت واطي. سمعت كلمات زي "خريطة"، "مية على الأقل"، "القرية اتدمرت"، "صغيرين"، و"شعب السما".
      
      هما طلعوا ناس؟ شعب السما؟ إزاي ده ممكن يحصل أصلاً؟
      
      في اللحظة دي عرفت إن لازم أروح. فضولي غلبني. مشيت من عندهم وروحت على بيتي.
      
      سبت القبيلة في وقت متأخر من الليل. سمعت صوت رعد خفيف من بعيد. شكلها كانت هتمطر قريب. جريت بسرعة مريحة لحد ما وصلت للمكان اللي الجسم وقع فيه. قبل ما أقرب أكتر، اتسلقت شجرة عشان محدش يشوفني. المحاربين كان عندهم حق. هما فعلاً ناس.
      
      كان باين إن فيه اتنين منهم بيتخانقوا بصوت عالي والباقيين متلمين حواليهم. واحد منهم كان طويل، وبشرته سمرة. التاني كان أقصر شوية وبشرته واخدة لون. أكيد فاتني جزء كبير من خناقتهم لإنها كانت باينة إنها بتخلص.
      
      "أي حاجة إحنا عاوزينها!" كلهم قعدوا يهتفوا. في اللحظة دي بالظبط، صوت رعد قوي قطع كلامهم والدنيا بدأت تمطر جامد. كان شكلهم كلهم مبسوطين بالمطر. يمكن لسه ملقوش مية. فيه بحيرة على بُعد كام ميل بس لو كلفوا نفسهم ودوروا.
      
      رجعت ركزت تاني مع الشاب اللي بشرته واخدة لون. مكنش متشاف أوي بسبب ارتفاع الشجرة اللي أنا عليها والمطر اللي نازل جامد. كان بيتفرج على الشاب الأسمر وهو بيبعد.
      
      قلت في نفسي: "أكيد رايح يجمع مية المطر".
      
      هما بصراحة كانوا مثيرين للاهتمام، وكان صعب عليا أمشي وأسيبهم. لبسهم كان مختلف عن "شعب الشجر" والقبائل التانية. رد فعلهم على حاجات معينة كان مختلف تماماً عننا. ومعظمهم مكنش على جسمهم أي ندوب أو جروح قديمة.
      
      إن يكون عندك ندوب ده معناه إنك محارب. أنا دراعاتي مليانة منها. ده خلاني أفترض إنهم مش محاربين.
      
      إحنا مفيش حاجة نخاف منها من "شعب السما" دول. دول حتى مش عارفين يلاقوا مية. مية المطر مش هتكفيهم كتير، وهما كمان مش هيعيشوا كتير. نطيت من على الشجرة وبدأت طريقي للبيت.
      
      
      
      
      
      
      الكلام المايل = رجوع بالذاكرة
      
      أنا تقريباً منمتش خالص الليلة اللي فاتت. مكنتش قادرة أبطل تفكير في "شعب السما" وعمالة أسأل نفسي هما هنا ليه.
      
      لحسن حظي، آنيا مخدتش بالها إني مكنتش موجودة امبارح بالليل. هي غالباً كانت مشغولة أوي بتشرح كل حاجة لباقي أفراد قبيلتنا، لإني لما صحيت الصبح، حسيت كأن الجو العام في المعسكر اتغير.
      
      كأن كل الناس اتغيرت.
      
      أنا كنت لسه محتارة أقول للينكولن إني اتسحبت وخرجت امبارح بالليل ولا لأ. كنت عارفة إنه هيزعل، بس أكيد مش هيزعل زي ما آنيا هتزعل. أنا بثق في لينكولن في كل حاجة، فعشان كده، في الآخر، قررت إني هقوله.
      
      لينكولن كان بيرسم حاجة في الكتاب الجلد الصغير اللي دايمًا شايله معاه. عمري ما عرفت هو بيرسم إيه جواه.
      
      أنا كنت عارفة إنها حاجة شخصية أوي، لإن من كام شهر، لما حاولت أفتحه، مرضيش يخليني واتصرف بغرابة أوي بخصوص الموضوع ده.
      
      "لينكولن." ناديت عليه. هو بصلي، فشاورتله براسي إنه ييجي ورايا.
      
      مشيت بعيد عن المعسكر لحد ما اتأكدت إن مفيش حد هيسمعنا. آخر حاجة كنت محتاجاها إن آنيا تحبسني في المعسكر.
      
      وقفت قدام شجرة كبيرة، ولينكولن ماشي ورايا علطول. أول ما بقى جنبي، خدت نَفَس مهزوز ورجعت تاني أفكر أقوله ولا لأ.
      
      أنا بثق فيه أكتر من أي حد.
      
      "أنا اتسحبت وخرجت امبارح بالليل." قلتها له بهمس. هو بصلي وهو مستغرب، كأنه بيسأل إيه المشكلة الكبيرة في كده.
      
      "أنا روحت لمكان ما وقعوا." وضحتله.
      
      عينيه وسعت شوية وفضل يبص في وشي عشان يتأكد إني مش بكدب. اتنهد وفرك عينيه زي ما أي أب متضايق بيعمل.
      
      "ليه عملتي كده؟ كان ممكن تتأذي." هو قالي.
      
      "بس متأذتش. أنا كويسة." رديت عليه. هو بيقلق زيادة عن اللزوم.
      
      "عمومًا، مش دي النقطة،" أنا كملت، "إنت مش هتصدق أنا شفت إيه."
      
      هو بصلي، مستني بصبر. بلعت ريقي بصوت عالي، فجأة اتوترت.
      
      "أنا شفت شعب السما." اعترفت أخيراً. عينيه وسعت تاني وبص حوالينا عشان يتأكد إن محدش بيسمع كلامنا.
      
      "إنتي بتقولي إيه؟" هو همس بصوت عالي.
      
      "شفتهم. هما غريبين أوي. ومش أذكيا خالص كمان. كان عندهم مشكلة يلاقوا مية مع إن فيه بحيرة صغيرة على بُعد كام ميل منهم."
      
      لينكولن كان على وشه نظرة واحد مش مصدق. كنت لسه هشرحله أكتر، بس سمعت صوت فرع شجرة بيتكسر. زقيت لينكولن ورا الشجرة اللي كنا واقفين عندها علطول، وحطيت صباعي على شفايفي، بشاورله إنه يسكت.
      
      "سمعتي عن الموضوع؟" واحدة ست سألت.
      
      "عن القرية؟ أه." واحد رد. أصواتهم كانت شبه أصوات تونيا وآرين.
      
      تونيا وآرين كانوا أخوات. شعرهم كان أسود وعينيهم بني غامق. الناس دايمًا كانت بتتلخبط وتفتكرهم توأم بس هما مكنوش كده. إحنا تقريبًا في نفس السن، عشان كده أهلي كانوا دايمًا بيجبروني ألعب معاهم وإنا صغيرة. أنا وتونيا بقينا صحاب كويسين، بس أنا وآرين...
      
      مش أوي.
      
      آرين وتونيا عكس بعض تماماً. تونيا طيبة، وبتحب المغامرة، وساذجة شوية، في حين إن آرين جريء، وحذر، وعنده خبرة. هو شخص يخوّف. حاجة من الحاجات القليلة أوي اللي مشتركين فيها هي شكلهم الحلو.
      
      بعد موت أهلي، مبقتش أشوف تونيا كتير زي زمان. إحنا لسه صحاب، بس مش قريبين زي الأول.
      
      "تفتكر آنيا هتعمل إيه؟" تونيا سألت أخوها.
      
      "هي غالبًا هتبعت أحسن محاربين عندنا وراهم. الأحسن نقتلهم كلهم بدل ما نستنى هما اللي يقتلونا." آرين رد بصوت هادي بشكل يخوّف.
      
      
      
      
      
      
      
      
      "أنا مفتكرش إنهم كانوا قاصدين يدمروا القرية دي يا آرين." تونيا قالت وهي بتدافع عنهم.
      
      "ده ميهمّش يا تونيا." آرين رد عليها بعصبية. "هما قتلوهم. قتلوا ناس من شعب الشجر. شعبنا."
      
      سمعتهم بيبعدوا عننا شوية. فضلوا يتكلموا عن القرية ويناقشوا نظرياتهم عن آنيا هتعمل إيه بخصوص الموضوع ده. بعدها بشوية، مشيوا.
      
      "هنتكلم في ده بعدين." قلت للينكولن. أنا كنت فعلًا عايزة أتكلم مع آنيا. هي كانت ناوية تعمل إيه؟
      
      لما رجعت المعسكر، شفت آنيا واقفة جنب حفرة النار بتتكلم مع آرين. أنا محسيتش بارتياح للمنظر ده.
      
      قربت منهم عادي وقعدت على جزع شجرة قريب منهم.
      
      "چويلا." آنيا ندهت. بصيت لها.
      
      "آرين هيروح يتعقب شعب السما. تحبي تروحي معاه؟" هي سألت. بصيت ناحية آرين. كان باين على وشه تعبير ملل. هزيت راسي بالموافقة من غير ما أحس. مدركتش إني وافقت غير لما آنيا وآرين كانوا مشيوا خلاص.
      
      ------------------------------------------------------
      
      أنا وآرين اتحركنا قبل الضهر بشوية. آرين مُتعقب آثار مدهش. في نص الطريق تقريبًا لمكان الحادثة، هو لمح آثار أقدام ماشية في الاتجاه العكسي.
      
      هو خمّن إنهم حوالي أربعة أو خمسة أشخاص ماشيين مع بعض. بعد ما فضلنا ماشيين ورا الآثار دي شوية، وصلنا لنتيجة إنهم رايحين ناحية "جبل ويذر".
      
      أنا وآرين كنا ساكتين معظم الوقت. المرة الوحيدة اللي اتكلم فيها معايا كانت عشان يقولي هما رايحين فين أو لو كنت بعمل دوشة زيادة عن اللزوم. أنا وآرين عمرنا ما كنا صحاب، بس عشان كنت بقضي وقت كتير مع تونيا، بقينا مجرد معارف.
      
      أنا كنت عارفة إن آرين فيه جانب كويس. شفته مرة واحدة بس قبل كده. كانت الليلة اللي أهلي ماتوا فيها.
      
      -------رجوع بالذاكرة-------
      
      كنت قاعدة ساندة على شجرة وإنا بعيط. بقالي ساعات بعيط، بس مكنتش قادرة أوقف. مكنتش مصدقة...
      
      هما راحوا.
      
      "رجال الجبل" خدوهم بعيد. بعيد عني. أنا بقيت لوحدي دلوقتي.
      
      كنت مغمضة عيني لما سمعت صوت خطوات خفيفة بتقرب مني. مكلفتش نفسي حتى أبص فوق.
      
      مبقاش فارق معايا خلاص.
      
      حسيت بحد بيقعد جنبي وبياخدني بالراحة في حضنه من الجنب، وإيده بتطبطب على دراعي من فوق بحنية. بصيت له بفضول، مستغربة مين ده.
      
      ده كان آرين.
      
      هو كان أكبر مني بكام سنة بس، بس شكله كان خلاص بقى شاب. عينيه كانت مقفولة وكان ساند راسه على الشجرة اللي كنا قاعدين جنبها، كأنه هينام. درت وشي عنه، وغمضت عيني أنا كمان. وقبل ما أحس، الدنيا ضلمت.
      
      لما صحيت، مكنش موجود.
      
      -------نهاية الرجوع بالذاكرة-------
      
      دي كانت المرة الأولى والوحيدة اللي آرين كان طيب معايا فيها. هو مكنش وحش معايا أو حاجة، هو بس كان بيتصرف كأني مش موجودة معظم الوقت.
      
      كان نفسي يكون طيب أكتر من كده، مش معايا بس، مع الناس التانية كمان. هو عنده برود خارجي خلاني أقتنع إن ده مش حقيقته من جوه.
      
      أنا معرفش إيه اللي حصله. ليه اتغير.
      
      وإنا ماشية، آرين مسك دراعي جامد. شدني ناحية شجرة. ضهري اتخبط فيها ومناخيره كانت تقريبًا هتلمس مناخيري.
      
      هو غطى بوقي بإيده ورفع صباعه لشفايفه بالراحة. بعدين رفع نفس الصباع عند ودنه، وخبط عليها بالراحة، بيقولي اسمعي.
      
      ركزت في السمع وسمعت ناس بتتكلم. مسكت إيد آرين من عند رقب إيده وشيلت إيده من على بوقي بالراحة، بحاول معملش أي صوت.
      
      بصيت بالراحة من ورا الشجرة وشفت مجموعة ناس. كانوا تلات ولاد وبنتين. كانوا بيشجعوا واحد من الولاد اللي كان شكله هيتنطط بالمرجيحة للناحية التانية من البحيرة. لفيت تاني، كنت متوقعة أشوف آرين، بس مكنش موجود.
      
      بصيت فوق في الشجر. كنت عارفة إنه لازم يكون موجود في حتة قريبة. وقتها لمحتُه على شجرة تانية بعيد عني شوية. كان ماسك رمح في إيده وكان بينشّن عليهم. مكنتش عارفة أعمل إيه. أحاول أوقفه، ولا أساعده؟
      
      رجعت بصيت تاني على "شعب السما" لما سمعت صوت تهليل. الولد اللي كانوا بيشجعوه من شوية قدر يعدي البحيرة بنجاح.
      
      وهو على الناحية التانية من البحيرة، لقى يافطة. كان شكلها قديمة ومتهالكة. على قد ما قدرت أقرا، كان مكتوب عليها "جبل ويذر".
      
      في اللحظة دي أنا بدأت أتوتر. "رجال الجبل". الولد اللي لقى اليافطة رفعها في الهوا.
      
      في اللحظة دي بالظبط، رمح آرين اخترق صدره.
      
      ------------------------------------------------------
      
      أنا وآرين اتفرجنا من وسط الشجر على الباقيين وهما بيجروا بعيد عن اللي كانوا بينادوله چاسبر. كانوا خايفين من اللي ضربه بالرمح وإذا كان فيه غيره ولا لأ.
      
      لما مشيوا، آرين نط من على الشجرة اللي كان عليها وعمل صوت شبه صوت العصافير. اتفرجت على واحد تاني من قبيلتنا بينط من على شجرة في الناحية التانية من البحيرة.
      
      "چويلا." آرين نده عليا، "يلا نمشي."
      
      مسك دراعي وجرني معاه.
      
      مشينا تاني وإحنا ساكتين. أنا كنت حاسة بشعور غريب. حاسة بالذنب، لو عايزين تسموه كده.
      
      هو كان المفروض أوقف آرين قبل ما يضرب چاسبر بالرمح؟
      
      أفكاري اتقطعت لما سمعت صوت صرخة. وقفت ولفيت راسي ناحية الصوت. غالبًا ده كان چاسبر. أكيد "الأرضي" التاني كان بيحركه.
      
      "يلا." آرين قالي بصوت مستعجل. هو كان سابقني بكام خطوة فجريت شوية عشان ألحقه.
      
      عقبال ما المعسكر بتاعنا بان، كانت الشمس خلاص بتغرب. معظم أفراد قبيلتنا كانوا جوه بيوتهم. كام واحد بس كانوا قاعدين جنب حفرة النار بيحكوا حكايات للصغيرين. ابتسمت للمنظر.
      
      كمان كام سنة من دلوقتي، الحكايات دي هتتاخد منهم وهيتعطالهم سلاح بدالها.
      
      حاجة جميلة. براءة الأطفال دي.
      
      آرين مقاليش أي حاجة وهو ماشي بعيد.
      
      ده كان يوم طويل. كل اللي كنت عايزاه إني أروح أنام. مشيت على البيت اللي عايشة فيه مع آنيا، روحت على الناحية بتاعتي، وغمضت عيني.
      
      مخدتش وقت طويل قبل ما أروح في النوم.
      
      

      Pages