موصى به لك

    الأقسام

    روايات تاريخية

    معارك ملحمية، مؤامرات، وأبطال منسيون

    ... ...

    روايات فانتازيا

    ممالك مفقودة وسيوف أسطورية، هنا تبدأ المغامرة

    ... ...

    روايات رومانسية

    لم تكن تعلم أن حياتها ستتغير بتلك النظرة

    ... ...

    روايات رعب

    السحر والكتب يخفون أسراراً لا تريد معرفتها

    ... ...

    روايات خيال علمي

    سافر عبر الزمن بتكنولوجيا تتحدى الخيال

    ... ...

    روايات مافيا

    عالم الجريمة المنظمة حيث القوة هي القانون

    ... ...

    روايات كورية

    اجمل القصص الكوريه المترجمه والكيدراما

    ... ...

    روايات اجتماعية

    صراعات يومية تعكس حقيقة الحياة التي نعيشها

    ... ...

    الأفضل شهرياً

      نجمه الغرب الأمريكي

      نجمة الغرب الأمريكي

      بقلم,

      تاريخيه

      مجانا

      ست شقرا وصلت لبلد في الغرب الأمريكي سنة ١٨٦٩ وهي مفلسة ومحتاجة مساعدة. بسبب يأسها، بتضطر تدخل صالون "ممنوع للسيدات" عشان تدور على سواق عربية الحنطور. الرجالة في الصالون بيفتكروها بنت ليل وواحد منهم بيتحرش بيها ويحاول يخطفها. وهي بتدافع عن نفسها، بتقوم خناقة كبيرة بتكسر الصالون كله. في وسط الخناقة دي، بيدخل المأمور "مورجان" وياخد بوكس يغمى عليه، ولما بيفوق بيلاقي نفسه متورط في المشكلة دي وهي السبب فيها.

      أبيجيل

      ظروفها صعبة جداً ومفلسة واتسابت لوحدها. هي جريئة وعندها كرامة (زي ما ضربت الراجل بالقلم)، بس في نفس الوقت مرعوبة من الموقف اللي هي فيه. عنيدة وباين عليها مش هتسكت على إهانة.

      مورجان

      مأمور البلد. راجل عملي و"خشن" وشايف شغله. هو دخل الصالون في أسوأ وقت ممكن، وكان كل همه يشرب حاجة ويريح، بس لقى نفسه في نص خناقة ووشه اتكسر. واضح إنه مش بيفهم في الستات الرقيقة أوي (شايفها "رفيعة زيادة") ومتضايق منها عشان بوظت له يومه.

      فيرنون

      راجل مادي وبتاع شغله، وشايف إن أبيجيل "جابت لنفسها الكلام" بدخولها مكان ممنوع، وهو اللي بلغ المأمور إنها السبب.
      نجمه الغرب الأمريكي
      صورة الكاتب

        إقليم مونتانا، ١٨٦٩
      
      دخولها للصالون في عز النهار مكنش أذكى حاجة عملتها في حياتها، بس إيه الاختيار اللي كان عندها؟
      
      حروف حمرا عريضة مكتوبة بخربشة على حتة خشبة كانت متعلقة جنب باب الصالون. كان مكتوب عليها "ممنوع دخول السيدات"، والحبل اللي ماسكها كان مهتري لدرجة إن اليافطة كلها كانت متعلقة بميل غريب. أبيجيل طنشت التحذير وقربت من المبنى، وبصت يمين وشمال على الممشى الخشب عشان تشوف لو حد بيراقبها. مفيش حد. سكان ويلو كريك كانوا رايحين جايين، كل واحد في حاله، وهي فضلت ده. كل ما لفتتش الانتباه لنفسها، كل ما كان أحسن لها. حطت إيدها على الباب المروحي بتاع الصالون واتسندت على طراطيف صوابعها وبصت من فوقه، عشان تاخد بَصة جوه.
      
      ترابيزات كانت متنطورة في الأوضة، أغلبها متغطي بقماش جوخ أخضر. رجالة كانوا مفرودين حوالين ترابيزات القمار، وشوية تانيين واقفين سانين على البار المزخرف اللي واخد الحيطة الشمال كلها. أكبر مراية شافتها في حياتها كانت متعلقة وراه، مخلياها تلمح آخر الأوضة. كان فيه بيانو محطوط على الحيطة اليمين، وراجل قاعد وراه بيطلع نغمات معدنية سريعة في لحن مبهج.
      
      كان فيه سلم قريب من البيانو، وبَصة لفوق ورتها بلكونة محوطة الأوضة الرئيسية. كان باين عدد من الأبواب فوق، كلها مقفولة. اليافطة اللي جنب كتفها الشمال مكنتش صح أوي، هي أدركت ده، لما شافت الستات اللي كانوا واقفين يتمختروا فوق عند السلم. كان فيه ستات جوه صالون "الدايموند باك" بس صعب يتقال عليهم "سيدات". فساتينهم الستان الزاهية كانت كاشفة أكتر من هدوم أبيجيل الداخلية، وده، مع الريش الباهت اللي في شعرهم، إداها انطباع إنهم زي الطيور الملونة. مصطلح "الحمامة الملطخة" جه في بالها، وأبيجيل عرفت دلوقتي أكيد التعبير ده جه منين.
      
      الرجالة اللي جوه المكان كانوا خليط من رعاة البقر المتربين لحد ناس عايشين عيشة أرقى. كلهم كان عندهم صفة واحدة مشتركة، مشروباتهم القوية في إيديهم والاهتمام اللي بيدوه للستات اللي بيلفوا في المكان. الرجالة اللي جوه "الدايموند باك" مكنش شاغل بالهم حاجة في الدنيا، على ما يبدو. عكسها هي. هل هي هتخلي الأمور أسوأ لو غامرت ودخلت؟
      
      أبيجيل لفت ورجعت تاني لحد طرف الممشى الخشب، وبصت على اللي سكان ويلو كريك بيعتبروه "بلد". صف متهالك من المباني على الناحيتين بتوع الطريق الموحل. "فندق الإمبراطوري" لفت انتباهها. بحيطانه المدهونة أبيض وستايره الملونة، كان باين وسط المباني التانية. في مكان صغير ومقطوع زي ويلو كريك، الفندق ده كان فعلاً أفخم حاجة موجودة. الاسم كان لايق عليه. كانت هتتجنن وتدخل الباب وتعرف هو فخم قد إيه من جوه. يمكن تاخد أوضة وتقضي باقي الليلة متعملش أي حاجة غير إنها تسترخي في بانيو فيه مية سخنة ونضيفة وتاكل لحد ما بطنها متقدرش تشيل تاني. الفلوس اللي فاضلة في قاع شنطة إيدها عملت صوت "تن" خفيف لما خبطتها في رجلها. هتبقى محظوظة لو معاها عملات كفاية تشتري عشاها. بصت على محطة عربية الحنطور، وكانت بتساءل لو الأكل اللي هناك أرخص من الأكل اللي هي عارفة إنه في الفندق.
      
      مكنش فارق كتير. أكلة واحدة مش هتحل مشاكلها. الحاجة الوحيدة اللي تقدر تعملها هي إنها تدخل الصالون وتلاقي الراجل الوحيد اللي ممكن يساعدها، ده لو افترضنا إنه هيساعد.
      
      لفت وفردت ضهرها، رمت بَصة سريعة على أبواب الصالون الواسعة قبل ما تندفع لقدام. زقة صغيرة على الأبواب المروحية كانت كل اللي محتاجاه عشان تدخل، وبمجرد ما حطت رجلها جوه على الأرضية اللي كلها نشارة خشب ومليانة بصق تبغ، ندمت على قرارها. كل واحد في الأوضة لف عشان يبصلها. مزيكا البيانو وقفت، وشخللة الكوبايات والدردشة سكتوا فجأة. أبيجيل سحبت نفس، رفعت دقنها ولفت ناحية البار، وشقت طريقها ناحيته وهي مطنشة نظرات الزباين اللي بيبصولها.
      
      "المفروض متكونيش هنا." الصوت الرجولي العميق بتاع عامل البار قطع ثباتها بس هي طنشته في الوقت اللي المزيكا والضحك بدأوا تاني.
      
      "أنا محتاجة مساعدة،" هي قالت، وهي بترسم ابتسامة عشان تحاول تكسب وده.
      
      "إلا إذا كنتي بتدوري على شغل، مقدرش أساعدك." هو ساب الكوباية اللي في إيده وحط الفوطة اللي كان بيحاول ينضفها بيها على كتفه. النظرة البجحة اللي رماها عليها كانت ممكن تكلف أي راجل تاني قلم على وشه الجريء. هي مكنتش هتجرب ده مع الراجل ده. ده غير إن آخر راجل ضربته بالقلم كان لسه بيطاردها.
      
      عامل البار ابتسم ورماها بنظرة تقييم تانية. أبيجيل قدرت تعرف من شكل وشه إنه فهم غلط خالص. "إحنا دايمًا محتاجين بنات جديدة هنا." ابتسم، وشنبه التخين اتلوى لفوق مع حركة بقه. "أنا متأكد إن الشباب هيخلوكي ست غنية في وقت قليل أوي."
      
      ضحك خليع من الرجالة اللي واقفين على البار جه بعد تعليقه وخلى وش أبيجيل يولع. هي كانت عارفة إن جلدها بقى مبقع من غير حتى ما تبص. دايمًا بيحصل كده لما وشها بيحمر وتعليقه خلاها جسمها كله يسخن. "لأ،" هي قالت، والصوت طلع مجرد صرخة مكتومة. "أنا مش بدور على شغل." بلعت ريقها اللي كان واقف في زورها وخدت نفس تاني عشان تهدا. "سواق عربية الحنطور دخل هنا من كام دقيقة. لو ممكن بس تشاورلي عليه، وأنا همشي على طول."
      
      عامل البار كان صغير. أو كان باين عليه كده. علامات الحياة المليانة المعتادة مكنتش خططت وشه. بشرته كانت واخدة تان خفيف بس من الشمس، شعره الأسود كان فيه شيب قليل أوي، والشنب النازل اللي مخبي كل حاجة ما عدا شفته اللي تحت اتقوس شوية وهو بيبتسم لها من فوق. هي ابتسمت له هي كمان، على أمل إن اللفتة الودودة دي تساعد. الطريقة اللي عينيه نزلت بيها على صدرها عرفتها العكس.
      
      "بيت مشغول حبتين دلوقتي،" عامل البار قالها، وهو بيميل ويسند إيديه على البار. "هو فوق مع الآنسة كلوي." هو شاور بعينه على بلكونة الدور التاني وأبيجيل عرفت سواق عربية الحنطور، بيت، بيعمل إيه. "دلوقتي، إلا إذا كنتي مستعدة تشتغلي فوق، يبقى أحسن لك تفلقي من هنا. اليافطة بتقول ممنوع دخول السيدات."
      
      "فاهمة." وهي بتبص من فوق كتفها، أبيجيل بصت حوالين الأوضة تاني. البيانو كان بيطلع لحن تاني ودردشة اللي جوه الصالون رجعت تاني والزباين رجعوا لألعاب الكوتشينة بتاعتهم. النشاط اللي بيحصل فوق كان واضح وسواق عربية الحنطور هياخد ساعات عشان ينزل. إلا إذا قدرت تخلي حد يطلع يكلمه. لفت تاني لعامل البار. "طيب ممكن تبعتله رسالة مني؟"
      
      دوشة جامدة حصلت عند الباب ومجموعة رجالة دخلوا متهاديين من الشارع. أبيجيل عرفت من شكلهم إنها المفروض متكونش جوه الصالون. صيع، من كل الأشكال. التراب والوساخة اللي على هدومهم كان هيبقى صعب تنضيفها، لو اتنضفت أصلاً. ريحتهم الوحشة ملت الهوا من نص الأوضة وشتيمتهم السوقية كانت كفاية تخلي خدودها تولع تاني.
      
      عامل البار إداها أمر خشن، "اطلعي بره من هنا يا آنسة، ومترجعيش تاني،" قبل ما يطنشها. أبيجيل مكنش عندها اختيار غير إنها تعمل زي ما قال. إنها تعمل دوشة هيلفت ليها الانتباه أكتر وهي متقدرش تغلط الغلطة دي.
      
      وهي ماسكة شنطتها جامد على بطنها، قالتله بصوت واطي "شكرًا،" ومشيت ناحية الباب والرجالة بيقربوا. كانت خلاص قربت توصل لما واحد من الرجالة مسكها، دراعه لف حوالين وسطها ورفع رجلها من على الأرض خالص، قبل ما يضمها ليه.
      
      "إيه اللي معانا هنا ده؟" نفسه القذر خلى معدة أبيجيل تتقلب. عصرها عصرة، وصوابعه غرزت في ضلوعها.
      
      "سيبني لو سمحت." شهقت لما مسكته عليها بقت أقوى. هو ضحك، والرجالة اللي دخلوا معاه عملوا زيه وهما بيبصوا لفوق ناحية البلكونة. هي بصت معاهم وشافت الستات اللي كانوا واقفين على سور البلكونة.
      
      الدراع اللي حوالين وسطها شدها أقوى وعينين أبيجيل وسعت لما إيده الحرة جت واستقرت على صدرها الشمال. صرخت وضحكته رنت جوه دماغها قبل ما تتخشب وترفس لورا بكعوبها الاتنين. "سيبني!"
      
      "أووه، أنا وقعت في واحدة صاحية أوي يا رجالة!" الرجالة اللي جوه الصالون ضحكوا وصيحاتهم وزعيقهم عليوا وهي بتحاول تفلت. الإيد اللي على صدرها مسابتش بس رفسة تانية في قصبة رجله كانت كفاية تخليه يسيبها. وقعت على رجليها، وشها محمر، وقلبها بيدق جامد جوه صدرها.
      
      هو ابتسملها. السنان اللي كانت لسه عنده كانت صفرا أوي لدرجة إنها كشرت. "حصل سوء تفاهم فظيع." رمت بَصة لفوق على السلم تاني لما صحاب الراجل بدأوا يطلعوا الدور التاني.
      
      "مفيش سوء تفاهم ولا حاجة." عينيه مشيت على جسمها كله ورغم إن فستانها كان مقفول، حست بانتهاك لما نظرته البجحة فضلت على صدرها. "أنا معايا فلوس، وفلوس كتير. هاخدك لحد الصبح. هتبقي محظوظة لو عرفتي تمشي لما أخلص معاكي."
      
      "مش فاكرة،" هي تمتمت. أجبرت نفسها تبتسم وفردت ضهرها. "أنا كنت ماشية خلاص. أنا متأكدة إن واحدة من الـ-سيدات اللي فوق هتبقى أكتر من مبسوطة إنها تاخد فلوسك."
      
      الراجل لف راسه وبص لفوق ناحية البلكونة. أبيجيل اتسحبت ناحية الباب وهو بيعمل كده. كانت خلاص قربت توصل لما هو لف لها تاني. "هما حلوين أوي بس أنا شكلي هخليكي إنتي برضه."
      
      أبيجيل كانت هتموت من الإحراج. أقل من ساعة في البلد والراجل اللي كان هيتجوزها سابها، وبقت من غير بيت ومفلسة، ودلوقتي بيفتكروها عاهرة. هو يومها ممكن يبقى أسوأ من كده؟ "أنا خايفة إنك مش فاهم. أنا مش-" مخدتش فرصة تكمل جملتها. الراجل مسكها، رماها على كتفه زي شوال بطاطس وبدأ يطلع السلم. سمعت بشكل مش واضح عامل البار بيزعق في حاجة في الوقت اللي جزمة الراجل كانت بتخبط على السلم. "نزلني حالاً!" خبطت بقبضتها على ضهره، وهي بترفس برجليها وزباين الصالون انفجروا في ضحك يصم الودان. أبيجيل خبطت بطنه بركبتها وهو اتكعبل، ورزعها في سور السلم. كام محاولة مقاومة عنيفة كمان وهو رماها. جامد.
      
      الخبطة في السلم خلتها دايخة بس هزت راسها خلى رؤيتها توضح. لما بصت على الراجل، النظرة اللي على وشه مكنتش النظرة الفرفوشة اللي شافتها من شوية. نطت على رجليها، أبيجيل عدت من جنبه جري ونزلت السلم. كانت في نص الأوضة قبل ما يمسكها.
      
      "سيبها،" عامل البار قال، وهو بيلف من جنب البار. "فيه بنات فوق أكتر من مستعدين ياخدوا فلوسك."
      
      "مش عايزهم،" الراجل قال. "أنا عايز دي وهاخدها."
      
      لما مد إيده عليها تاني، أبيجيل اتصرفت بغريزتها. ضربته بالقلم. لمسة وشها لسعت إيدها والصوت رن في الأوضة كلها. الضحك زاد، وش الراجل اتلوى والغضب اللي في عينيه كان زي التور الهايج. هي شافت قبضته جاية ناحيتها، شهقت، ووطت. اللكمة الطايشة جت في عامل البار بدالها والراجل صرخ شوية شتايم قبل ما يرمي هو كمان قبضته في الخناقة، وضرب الراجل رداً عليه.
      
      تبادل اللكمات خلى عامل البار يترزع في واحدة من الترابيزات وبوظ لعبة بوكر على رهان عالي. الرجالة اللي حوالين الترابيزة شتموا، واتخانقوا على الفلوس اللي متنطورة على الأرض، ودخلوا في خناقة خاصة بيهم في ثواني. العفش اللي حوالين الأوضة تم استخدامه عشان يزود الألم اللي بيعمله اللي انضموا للخناقة والفوضى اللي حصلت بعدها كانت مدمرة كفاية تخلي أبيجيل تتمنى إنها متدفعش تمن ده كله.
      
      
      
      
      
      
      زحفت ناحية البار وسط الازاز المتكسر، ورجول الكراسي والنشارة، وركنت في زاوية عشان تتفرج بعيون مرعوبة. لما راجل وقع على بعد بوصات منها، صرخت صرخة مفزوعة، ونطت على رجليها وجريت ع الباب - وعلطول في حضن راجل كان داخل من الشارع.
      
      قمة راسها كانت بالعافية واصلة لكتافه العريضة، ونظرة الصدمة اللي على وشه مكنتش كفاية تشد انتباهها عن أخضر عيون شافتها في حياتها. العيون دي، اللي متحوطة برموش غامقة وطويلة، كان فيها لمحة شقاوة، جزء جامح جواها كان عايز يستكشفها.
      
      هو فضل باصص لها من فوق، وإيديه على دراعاتها شدت سيكة قبل ما يبتسم. حد خبط في ضهرها، رزعهم هما الاتنين في الحيطة. واحد من الرجالة اللي بيتخانقوا وراهم رمى لكمة طايشة. جت بالظبط في نص وش الراجل اللي لسه داخل. قفاه اترزع في الحيطة، والدم نطر من مناخيره وعينيه لفت لورا في راسه. ولما وقع، شدها معاه.
      
      هي وقعت راكبة على وسطه، والدم اللي من مناخيره طرطش على قدام فستانها، وسال على خده ونزل على دقنه الملتحية. وهي بتتعدل وتسند إيديها على صدره، أبيجيل مقدرتش تعمل حاجة غير إنها تبحلق. وقتها هي شافتها. النجمة الفضية اللامعة على قدام الصديري بتاعه، وكلمة "مأمور" محفورة عليها. "يا إلهي،" هي همست برعشة. "أنا عملت إيه؟"
      
      \* \* \*
      
      مورجان حس بتقل على صدره وفتح عينيه. ست قاعدة فوقه، عينيها الزرقا الواسعة بتبص له بصدمة وشوية خوف. منظر صدرها القريب أوي من وشه خلاه يتجاهل الحقيقة الصغيرة دي ويركز بدالها على الست نفسها. قدام فستانها كان متغطي باللي شكله دم، كام نقطة حمرا مترشرشة على خدودها، وخصلاتها الشقرا كانت مفكوكه من الدبابيس اللي ماسكاها وسايبة خصلات ملفوفة تتدلى حوالين وشها. بَصة على طول جسمه أكدت له اللي كان بيفكر فيه. هي كانت قاعدة عليه، راكبة على وسطه، والدفا بتاعها ضاغط بحميمية أوي على بين رجليه وانتشر في ثواني من الإدراك ده.
      
      هو أنّ واستمتع بحقيقة إن فيه أنثى دافية فوقه. مكنتش هي دي اللي هو جه يشوفها بس لما رما بَصة تانية على وشها، كان لازم يعترف إنها حتة حلوة وصغيرة. ابتسم لها وهو باصص لفوق ورخى جسمه، وهو بيستقبل تقلها. "أنا في العادي بفضل شوية خصوصية وسرير دافي بس لو إنتي عندك رغبة إن الناس تتفرج، أنا ممكن أكون موافق... طول ما اللي هتتفرج دي واحدة من صحباتك البنات."
      
      هي شهقت وقامت من عليه بسرعة، ووقفت على رجليها ووشها بقى مبقع أحمر وهي بتحمر. "أنا آسفة. مكنش قصدي أسبب كل المشاكل دي."
      
      مورجان فضل باصص لها من تحت، مستغرب من اللي هي قالته، لما الدوشة اللي بتحصل حواليه سجلت أخيراً. وقتها الوجع اللي بينبض في وشه اخترق دماغه المشوشة. لف عشان يبص حوالين الصالون وشوفة الخناقات فكرته بحد ضربه أول ما دخل من الباب.
      
      صالون "الدايموند باك" كان شبه اتدمر من اللي هو شايفه. كام ترابيزة بس هما اللي فضلوا واقفين، الكراسي كانت متنطورة من أول الأوضة لآخرها والازاز المكسر كان بيلمع من أرضية النشارة زي ألماظ صغير. الشخص الوحيد اللي كان باين عليه مش متأثر هو عازف البيانو اللي فضل يطلع نغمات كأن مفيش حاجة بتحصل.
      
      هو اتعدل في قعدته، وطلعت منه أنّة والنبض في دماغه بيزيد. لمح فيرنون ويلكس، عامل البار، وصرخ له. "فيرنون، إيه الجحيم اللي بيحصل ده؟"
      
      عامل البار لف له وخد قبضة إيد مليانة في جنب دماغه عشان تعبه. مورجان شتم وقام يقف على رجليه واتطوح مرتين قبل ما يرجع توازنه. لما الأوضة بطلت تلف، عدى المكان ومسك الراجل اللي كان ساعتها بيموت فيرنون من الضرب ورماه على مجموعة من أربع رجالة تانيين، كلهم غرقانين في خناقاتهم الخاصة قبل ما يساعد فيرنون يقف على رجليه. "إيه اللي بدأ ده؟" عامل البار كشر، وتف بق دم قبل ما يلف ويبص ناحية الباب. مورجان تابع نظرته. الست كانت لسه هناك، عينيها المرعوبة واسعة وهي بتستوعب المنظر.
      
      "هي دي اللي بدأته،" فيرنون قالها من بين سنانه، وهو بيشاور عليها بإيد مليانة دم. "هي مكنش ليها لازمة هنا أصلاً، يا مأمور."
      
      مورجان بصلها بنظرة مستجوبة. "خليكي واقفة مكانك. هتصرف معاكي كمان دقيقة." لف تاني لأوضة البار، واتفرج على المعمعة كام دقيقة وهو بيقرر هيعمل إيه. مع وجود البنات فوق، إنه يسحب مسدسه ويضرب كام طلقة في السقف عشان يلفت انتباه الرجالة مكنش ممكن. تفريقهم بالإيد كان هو الحل الوحيد اللي يعرفه. والأكتر ألم. اتنهد وفرد كتافه. "الموضوع ده هيوجع أوي،" هو تمتم لنفسه قبل ما يرمي نفسه في قلب الخناقة.
      
      للمرة التانية في اليوم ده، حد ضربه بوكس في وشه. هو فكر إنهم بالعافية هيعرفوه بكرة. الوجع كان خلاص بينبض وعينه الشمال حاسس إنها غريبة شوية. بتورم وتقفل، هو خمّن. مورجان صرخ شتيمة ولف بالبوكس لورا، وهو بيكشر من صوت الطرقعة العالي اللي سمعه ومناخير الراجل بتتكسر والدم بيسيل على دقنه المشعرة. اتنين كمان هجموا عليه، مسكوه من وسطه ورزعوه في الترابيزة الوحيدة اللي فاضلة واقفة. وقعوا على الأرض وخد ثواني طويلة عشان رئتيه تتملي هوا تاني. وهو بيزحف عشان يقف، مسك أول راجل شافه ورماه في الحيطة. "خليك مكانك وإلا هرميك تحت السجن!" ولمفاجأته، الراجل عمل كده بالظبط.
      
      الموضوع خد وقت أكتر من المفروض عشان الرجالة يهدوا. على ما آخر واحد لقى حتة يقعد فيها ويهدى، الآنسة أنجلينا نفسها كانت نزلت تحت عشان تداوي جروح اللي محتاجين لمسة ست حنينة. هي أَمَرِت بناتها يهتموا بالرجالة وقبل ما التراب يهدى، أكتر من نص أوضة البار كانوا طالعين الدور التاني عشان يخلوا ست ناعمة ومطاوعة تساعدهم يهدوا كبريائهم المجروح.
      
      كله ماعدا هو، يعني.
      
      مورجان مكنش فاكر إن فيه حتة لحمة في جسمه مش وجعاه. الدم كان بيسيل من جروح أكتر من إنها تتعد، شفته كانت مقطوعة وعينه الشمال كانت أكيد بتورم وتقفل. هو لف وبص ناحية البار، الست اللي خبطت فيه وهو داخل الصالون كانت لسه واقفة مطرح ما قالها. كانت ساندة على الحيطة، شنطتها مقفول عليها بإيديها جامد كفاية إن مفاصلها تبان بيضا من آخر الأوضة. لما رفعت راسها وبصت له، واديته ابتسامة بتقول إن كل حاجة في الدنيا تمام، أسبوعه الجحيمي لحقه في لحظة.
      
      كل اللي كان عايزه من ساعة ما رجع البلد هو إنه يغسل التراب من زوره بأقوى خمرة معفنة ممكن فيرنون يديها له ويقضي وقت مع واحدة من الستات الصغيرين اللي فوق. اللي خده بدال كده كان هي. الشقرا اللي لقاها راكبة على حجره لما صحي من النوم اللي سببه البوكس. هو بحلق لها وهي بتبص حوالين الأوضة. هي كانت حلوة بس دلوقتي وهي واقفة، هو قدر يشوف هي قد إيه صغيرة فعلاً. رفيعة شوية على مزاجه. هو كان بيحب ستاته مليانين بصدر كبير وشهية مفتوحة للمتع الآثمة. الشقرا الضئيلة دي، اللي مكنش المفروض تكون جوه الصالون من الأساس حسب كلام فيرنون، كان شكلها أليف زي القطة. يا خسارة، هو فكر. كان هيرحب أوي إنه يطلع إحباطه بين فخادها بس لو فيرنون قال إنها مش تبع هنا، يبقى هو مصدقه.
      
      عدى الأوضة لحد ما هي كانت واقفة، ووقف على بعد بوصات منها. "إنتي مين؟" هي مردتش. بدال كده، هي فضلت تبص له بعينيها الزرقا الواسعة دي، ودقنها مرفوعة بزاوية متعجرفة. مورجان استنى وحط إيديه في وسطه. وبعدين استنى شوية كمان. "ها؟" هو سأل، وهو متضايق من سكوتها. "أنا مش فاضي طول اليوم. انطقي."
      
      
      

      رواية الورقة الأخيرة - تاريخية

      الورقة الأخيرة

      بقلم,

      تاريخية

      مجانا

      طالبة جامعية مش مقتنعة خالص بأهمية دراسة التاريخ، خصوصًا قصة الكهنة التلاتة "جومبورزا". بعد ما أستاذها بيحرجها ويكلفها ببحث مصيري عنهم، بتحاول تذاكر غصب عنها. وهي بتقرا الكتاب، بيغمى عليها وتصحى تلاقي نفسها رجعت بالزمن لسنة 1872. بتفوق في مكان ضلمة على نور شمعة، وتقابل الناس اللي كانت لسه بتقرا عنهم، ومصيرها بيتغير.

      ميريام

      شايفه التاريخ ده "كلام فاضي" وملوش لازمة. عنيدة شوية ومش بتخاف تقول رأيها حتى لو هيغلطها. هي اللي بتسافر عبر الزمن.

      سير

      أستاذ التاريخ بتاعها. راجل شديد وحازم جدًا، وشايف إن التاريخ هو أهم حاجة. مش بيتهاون أبدًا مع أي طالب مش مقدر المادة بتاعته.

      ليزيل

      صاحبتها وبتحاول تهون على ميريام وتقترحلها حلول لمشكلتها مع الأستاذ.
      رواية الورقة الأخيرة - تاريخية
      صورة الكاتب

        -- دي سادس روايه ليا تقريبا على روايات أونلاين بتمنى تعجبكم وهي قائمه على احداث شبه حقيقيه --
        
      في سكن طلابي صغير قريب من واحدة من أشهر الجامعات في الفلبين، كانت فيه طالبة بتعاني مع مادتها الدراسية ومحتارة تمامًا ومش عارفة تعمل إيه...
      
      أنا قريت كل حاجة بس برضه الكلام مش راضي يثبت في دماغي. دورت كذا مرة على جوجل على إجابات بس أنا بجد مش قادرة أفهم إيه أهمية دراسة التلات كهنة الشهدا دول، الجومبورزا.
      
      رمشت بعيني وفركتهم. أدركت إني بجد محتاجة أنام نومة عدلة. قفلت الكتاب اللي بنستخدمه في حصة التاريخ وحطيت راسي على دراعي.
      
      "هو إيه لزمة إننا ندرس عن 'الجومبورزا' دول؟" قلت لنفسي.
      
      مش قصدي أقول إن التلات كهنة الشهدا دول ماكانش ليهم دور في حرية الفلبينيين من الإسبان، بس هو لازم يعني نفضل نعيد ونزيد في دراستهم؟ تاريخ ماشي تاريخ، بس الزمن بيتغير برضه، مش كده؟ مش بس دراسة التاريخ هي اللي مهمة يتعلّموها طلبة الجامعة، ما فيه مواد تانية محتاجة اهتمام برضه.
      
      رفعت راسي وفضلت أدلك جبهتي كذا مرة يمكن أهدى. "يا دي النيلة. جومبورزا برضه...." قلت الكلمتين دول ببطء وأنا بحاول أهدي نفسي.
      
      •••
      
      في صباح اليوم التالي في جامعة سانتو توماس....
      
      الساعة كانت تمانية لما وصلت قدام الجامعة. حاجة صعبة أوي إنك تدخل متأخر، ممكن متلاقيش مكان. لو أنت واحد من الطلبة المنحوسين اللي وقعوا في فصول سير روموالديز، فأكيد مش هتبقى عايز تتأخر أبدًا عن مناقشاته، خصوصًا لو يوم اتنين أو جمعة، عشان دي الأيام اللي غالبًا بيعمل فيها أنشطة أو تسميع شفوي.
      
      فكرت أقعد ورا خالص في الفصل عشان أهرب من إن 'سير' يناديني، خصوصًا إن التسميع الشفوي النهاردة عليه درجات وأنا مراجعتش كويس أوي امبارح. بصيت من الشباك ودعيت إن التسميع اللي هيعمله سير روموالديز يخلص بسرعة.
      
      الساعة كانت قربت تسعة لما سير روموالديز دخل فصلنا. فجأة سكت، واتجمدت في مكاني. عدلت قعدتي واستنيت أي مصير مستنيني في الحصة دي. 'سير' قعد بسرعة على كرسيه وحط صندوق على الترابيزة اللي قدامه. الصندوق كان متغطي ومتغلف بورق كانسون أسود، وده اللي خلانا كلنا مستغربين.
      
      "آآ... سير؟ إيه ده؟" سأل واحد من زمايلي، آرتشي، وهو بيشاور على الصندوق. ظهرت ابتسامة خبيثة على شفايف سير روموالديز. مسك الصندوق وفتحه ببطء.
      
      مش عارفة ليه، بس أنا حاسة بقلبي بيدق جامد أوي. شكل ابتسامة المدرس بتاعنا دي فيها حاجة غريبة زودت توتري أكتر. شوية، والمدرس طلع حاجة من الصندوق. لما رفع إيده، كانت فيه حتة ورقة محشورة بين صوابعه. الفصل كله اتنهد، وده اللي خلى سير روموالديز مبسوط أكتر.
      
      "يعني 'سير' طلع شغال بنظام كروت الأسماء، بس طريقته دي موتراني أكتر." قلت في سري.
      
      دعيت إني ماكونش ضمن اللي 'سير' هيناديهم النهاردة. وسط الجو المشحون اللي الصندوق عمله في الفصل، مقدرتش أمنع نفسي إني أعرق وسير روموالديز بيفحص الورقة اللي طلعها.
      
      لما خلص قراية الورقة، نطق ببطء بس بحزم اسم الطالبة اللي حظها وحش ولعبة القدر اختارتها. "ميريام دي ليون."
      
      رجعت لورا في الكرسي بتاعي لما سمعت اسمي بيتنطق من أستاذنا. "هي، ميريام، بينده عليكي." همس زميلي اللي جنبي، وده اللي فوقني للواقع. وقفت ببطء من مكاني عشان أواجه زمايلي وسير روموالديز. "يا آنسة دي ليون، بما إني كلفتكم تدرسوا وتبحثوا عن حياة التلات كهنة الشهدا، فخليني أسألك." قال أستاذي، وده خلى قلبي يدق أسرع لدرجة إني مكنتش سامعة حاجة غير دقاته.
      
      
      
      
      
      
      
      
      "فين وإمتى اتحكم بعقوبة الإعدام على الكهنة الشهدا التلاتة، أو المشهورين أكتر باسم جومبورزا؟"
      
      هو أنا كنت متوترة أوي للدرجة دي عشان كده مسمعتش كويس اللي قاله الأستاذ روموالديز؟ "مـ-ممكن تعيد تاني يا أستاذ. أنا بس مـ-مفهمتش أوي." قلت أنا.
      
      "فرصة كمان يا آنسة دي ليون. فين وإمتى اتحكم بعقوبة الإعدام على الكهنة الشهدا التلاتة، المشهورين أكتر باسم جومبورزا؟" كرر الأستاذ.
      
      أنا قولت لنفسي كان لازم أراجع امبارح. أهو عشان كده مش عارفة أجاوب سؤال الأستاذ ليا دلوقتي. كنت بصاله وأنا برتعش، والجو الحر في الفصل اللي إحنا فيه مكنش مساعد خالص. "آآ... اللي أعرفه إنه تلاتين ديسمبر ألف وتمنمية وستة وتسعين؟" مجاوبتش بصوت عالي أحسن يطلع اللي قلته غلط بجد.
      
      "عيدي تاني يا آنسة دي ليون عشان مسمعتش إجابتك كويس." طلب الأستاذ روموالديز. "تـ-تلاتين ديسمبر ألف وتمنمية وستة وتسعين." قلت أنا واستنيت إيه اللي هيحصل نتيجة إني معملتش البحث بتاعي الليلة اللي فاتت.
      
      الأستاذ روموالديز مردش على طول على اللي قلته، بس سكوته ده اتحول لضحكة. "آنسة دي ليون، إنتي متأكدة إنك راجعتي لمناقشتنا النهاردة؟" سألني. مقدرتش أنطق وأرد على سؤاله.
      
      "بتقولي تلاتين ديسمبر ألف وتمنمية وستة وتسعين؟ في رأيي هما مكنش ممكن يتعاقبوا وقتها، عشان في السنة دي كانت حياتهم خلصت خلاص!" قال بصوت عالي. "آنسة دي ليون، إنتي بجد راجعتي عن الجومبورزا؟" سأل تاني.
      
      "لـ-لأ...." اعترافي بالحقيقة ده جه معاه طقطقة صوابع من الأستاذ روموالديز. "أهو، ظهرت الحقيقة أخيرًا، إنك يا آنسة دي ليون، مش بتقدرّي دراسة الماضي بتاعنا." قال الكلمة دي اللي خلت أي دوشة في الفصل تسكت. "هي معلوماتك ضيقة أوي للدرجة دي لدرجة إن معلومة بسيطة زي موت الكهنة الشهدا مش عارفاها؟"
      
      "ما هو يا أستاذ، مش حصتك بس هي اللي بديها اهتمامي وتقديري. إحنا عندنا مواد تانية أهم محتاجين نذاكرها. مش حصة حضرتك بس." كان ده ردي على اللي اتهمني بيه.
      
      "آنسة دي ليون، أنا اديتكم أسبوع كامل عشان تبحثوا وتعرفوا حاجات عن الجومبورزا. أسبوع عدى، وشكلك معملتيش أي حاجة؟"
      
      "يا أستاذ، أنا شايفة إن دراسة الماضي بتاعنا مش مهمة أوي في مجال دراستنا، وإن مادتك مش مميزة أوي زي ما حضرتك فاكر. لو فضلنا نرجع ونراجع في ماضينا، إزاي هنتقدم كبلد؟"
      
      "بالظبط كده يا آنسة دي ليون. إنتي لسه ثابتة وجهة نظرك. إزاي فعلًا هنقدر نتقدم لو مدرسناش ومقدرناش التراث بتاعنا؟ وعشان كده يا آنسة دي ليون، أنا عايزك تسلمي مقال عن حياة الكهنة التلاتة، وتعملي بحث عن إزاي مساهماتهم في سبيل الحرية بتنعكس دلوقتي على وضعنا الحالي، وده بيمثل خمسة وسبعين في المية من درجتك." قال الأستاذ روموالديز، وده اللي ضايقني جدًا.
      
      "يا أستاذ، ده كده مش عدل. أنا لوحدي بس، بجد؟" قلت أنا. أنا مش قادرة أفهم خالص هو ليه كده، وإزاي فجأة كده يخليني أعمل مهمة هي اللي هتحدد درجتي عنده. "قلة تقديرك واعترافك بتاريخنا بيحملك مسؤولية إنك تخلصي مهمتك الخاصة دي وتتسلم الأسبوع الجاي، يوم الإتنين." دي كانت آخر كلمة قالها لي قبل ما يخليني أقعد مكاني. "اللي بعده، الأستاذ آرتشي سانتوس...."
      
      أنا حاسة بنظرات زمايلي الحادة اللي زودت إحراجي أكتر. وطيت راسي خالص واتمنيت إن الوقت يجري بسرعة عشان مسمعش تاني أبدًا صوت الأستاذ اللي بيجرح ده.
      
      ---
      
      
      
      
      بعد حصة الأستاذ روموالديز، بدت ميريام كأنها خرساء ولم تتكلم طوال الصباح حتى حل وقت الغداء....
      
      بسبب الإحراج الشديد في حصة الأستاذ روموالديز الصبح، رحت بسرعة بس بهدوء على الساحة الكبيرة في الجامعة وقعدت على جنب مستنية صاحبتي. شوية، وحد نده اسمي. "ميريام!"
      
      بصيت فجأة لمصدر الصوت وشفت صاحبتي بتجري ناحيتي وهي بتشاور. "ليزيل!" ندهت أنا. "إزيك، عاملة إيه؟" سألتني وقعدت جنبي. "كويسة." قلت. رفعت حاجبها وقالت "همم...." مقدرتش أمنع نفسي من الضحك. "متأكدة من الكلام ده؟ شكلك شاحب أهو." قالت.
      
      "إيه ده، لأ طبعًا." أنكرت. "متضحكيش عليا يا ختي، إنتي أصلًا مش شاطرة في الكدب." حاجبها كان مرفوع للسما وهي حاطة إيديها عند بطنها. "أوف، خلاص ماشي. أيوه، أنا بجد مش كويسة." قلت الحقيقة. قلبت عينيها لما طلعت الكلمة اللي هي كانت عايزة تسمعها. "إيه اللي حصل بس؟ ده يوم الجمعة أهو وبرضه مكشرة؟"
      
      "ما هو أعمل إيه بس؟ الأستاذ روموالديز ده حطني في دماغه. عشان بس مجاوبتش على سؤاله في التسميع الصبح، راح مخليني أعمل مقال وكمان ورقة تأمل. هو أكيد عارف إني مش بفكر في مادته هو بس، وهو عامل فيها إن مادته دي هي الأساسية؟" فضفضت عن اللي جوايا.
      
      ليزيل ردت وهي مكشرة. "الأستاذ روموالديز ده كان بيدرسلي السنة اللي فاتت يا بنتي، وهو مش من النوع اللي بيدي تكليفات زيادة كده وخلاص، إلا لو كان اتعصب أو اتضايق منك؟"
      
      "آه... ما هو...." فجأة افتكرت أنا اتصرفت إزاي معاه الصبح. هزت ليزيل راسها. "يبقى إنتي قلتي حاجة فعلًا عشان كده الأستاذ روموالديز خلاكي تعملي المهمة دي بالسرعة دي." قالت. "بس ده برضه مش عدل، صح؟ أنا أصلًا مضغوطة في المذاكرة، وفي الشغل، وفي إني ألاقي حد أحبه، وكمان هشيل هم ده؟" اشتكيت.
      
      "بصي يا بنتي، عشان تخلصي نفسك من اللي هو طالبه ده، استعيني بالذكاء الاصطناعي. أكيد هتلاقي هناك حاجات كتير تساعدك في اللي هو طلبه منك." اقترحت. المرة دي أنا اللي كشرت.
      
      "إيه ده، بس مش ده يعتبر سرقة إن الواحد ياخد إجابات من الذكاء الاصطناعي؟" كنت مترددة. "يوه، إنتي بتصعبي الدنيا على نفسك وخلاص." قالت ليزيل. "طب إيه رأيك تدوري في المكتبة، كده كده جامعة سانتو توماس مليانة كتب... أكيد هتلاقي كتير." أضافت اقتراح تاني. "أهو ده، ده أحسن من اللي قلتيه في الأول." قلت وفجأة إحنا الاتنين ضحكنا.
      
      "يلا بينا، خلينا نروح ناكل. أهو أنا اللي في الآخر بقيت أطلعلك حلول لمشاكلك." قالت.
      
      •••
      
      بعد انتهاء حصتها، مرت ميريام فعلًا على مكتبة بينافيدس بالجامعة للبحث عن كتب ومصادر معلومات أخرى ستحتاجها للمهمة....
      
      كانت الساعة أربعة العصر لما عديت على المكتبة. مكنش فيه ناس كتير في المكتبة عشان كده قدرت أدور على كتب براحتي من غير دوشة أو إزعاج حواليا. عديت على قسم التاريخ ودورت كويس عن أي كتاب بخصوص الأبطال المعترف بيهم في البلد لحد ما لقيت نسخة من "التاريخ العام للفلبين" للمؤرخ خوسيه مونتيرو إي فيدال. أخدت نفس عميق وأخدت النسخة ودورت على مكان مناسب أقعد فيه في المكتبة.
      
      قريت المقدمة بتاعت النسخة بسرعة قبل ما أستعيرها من أمينة المكتبة. بعد كده، بدأت طريقي للبيت. ليزيل كانت مشغولة عشان راحت حفلة، أما أنا فكان لازم أخلص المهمة اللي سببها غضب الأستاذ روموالديدز مني. لما نزلت من العربية، دخلت السكن بسرعة وقفلت الباب. كويس إن شريكتنا التالتة أنا وليزيل، باتريس، لسه مرجعتش وبكده هقدر أقرأ في هدوء.
      
      ظبطت نفسي الأول وغيرت هدومي لهدوم مريحة قبل ما أقعد على الترابيزة الوحيدة في سكننا الضيق وبدأت أقرأ النسخة اللي استعرتها.
      
      فعلًا أنا قلت كلام غلط الصبح، لأني لسه واخدة بالي دلوقتي إن التاريخ اللي قلته الصبح ده كان تاريخ إعدام خوسيه ريزال مش الجومبورزا اللي اتحكم عليهم بالإعدام يوم سبعتاشر فبراير ألف وتمنمية واتنين وسبعين. أدركت إن بكرة هو اليوم ده. ضحكت على غلطتي، وجزء مني بيقولي إني أستاهل فعلًا المقال وورقة التأمل اللي اتطلبوا مني.
      
      من ضمن المعلومات اللي ضفتها في بحثي، كان فيه معلومة إن الكهنة التلاتة اتهموهم بإنهم قادة التمرد اللي حصل في كافيت يوم عشرين يناير ألف وتمنمية واتنين وسبعين، بس ده تم نفيه، والمحكمة اللي اتهموا فيها الكهنة واتحكم عليهم بالعقوبة كانت مجرد طريقة عشان يخلصوا من صورة الكهنة دول اللي كانوا بيطالبوا بعلمنة الكهنة العاديين في أبرشياتهم، ودي حاجة بدأها الأب بيدرو بيلايز قبل موته المفاجئ سنة ألف وتمنمية وتلاتة وستين.
      
      لقيت برضه صفحة مطبوع فيها الصورة الوحيدة اللي الكهنة التلاتة متصورين فيها مع بعض. مقدرتش أميز مين فيهم جوميز، وبورجوس، وزامورا، بس أنا متأكدة إن ده مبقاش مهم.
      
      وأنا بقلب الصفحة اللي بعدها، فجأة الدنيا لفت بيا ومبقتش شايفة كويس. يا إلهي، أهو ده اللي كنت بقول عليه ليه مينفعش أتأخر في النوم.
      
      من كتر الدوخة والصداع اللي حسيت بيه، مقدرتش أقاوم إني أريح راسي على دراعي فوق الترابيزة جنب النسخة. في الثواني اللي بعد ما غفيت فيها، حسيت إني شميت ريحة حاجة إحنا معندناش منها في السكن اللي عايشين فيه.
      
      شمعة.
      
      •••
      
      الظلام يغطي المكان، ولا يمكن سماع أي همسة من الضوضاء المحيطة. مع كل نسمة هوا، تنتشر ذرات التراب اللي جاية من تماثيل القديسين المحطوطة قرب المذبح. الضوء الخافت اللي جاي من شمعة بتدوب هو الحاجة الوحيدة اللي بتدي حياة للأوضة دي في عز الليل. مفيش أي حياة، مفيش أي لون، بس في لحظة واحدة، كل ده اختفى....
      
      طلع إحساس جميل أوي إن الواحد ياخد غفوة مش متوقعة بعد أيام كلها قهوة وأمل بس في التخرج هما اللي مخليين الواحد عايش. كنت فاكرة إنها مجرد ريحة في الحلم، بس إزاي لسه شماها لحد دلوقتي وأنا صحيت؟
      
      فتحت عينيا، ولقيت قدامي ظلام دامس، والريحة اللي لسه ملاحظاها دي جاية من شمعة قربت تسيح. اتنهدت من شدة ضلمة الأوضة ورمشت بعينيا عشان أستعيد وعيي بالكامل. هما ليزيل وباتريس دول بجد، ميقولوش حتى إنهم وصلوا.
      
      ما بيننا إحنا التلاتة، أنا أكتر واحدة بتحب تنام، عشان كده يمكن هما مضايقوش نفسهم يصحوني وسابوني نايمة على الترابيزة، بس اللي مستغربة له، هما ليه محتاجين شمعة طالما ممكن يولعوا النور عادي؟ وقفت بالراحة ومددت جسمي قبل ما أتمشى.
      
      من كتر الضلمة اللي حواليا، قررت أستخدم كشاف تليفوني عشان أولع النور. اتفاجئت جدًا لما مكنتش لاقية تليفوني. "يا خبر، راح فين ده؟" قلت. "هي، ليزيل، باتريس، إنتو بتهزروا معايا تاني، صح؟" صرخت، بس مفيش أي رد رجعلي.
      
      "ليزيل، باتريس، تليفوني فين؟" سألت تاني. برضه مفيش أي رد. "استنوا كده، هو النور فين؟" قلت، بس حتى مفتاح النور مش عارفة ألاقيه بسبب ضلمة الأوضة الشديدة. لفيت الناحية التانية، وبدأت أدور على المفتاح هناك.
      
      مع نسمة الهوا، جه صوت فاجئني بجد. "كيين إيريس؟" (مين إنتي؟). نطيت لورا وواجهت مصدر الصوت.
      
      نور قوي جه في عينيا من الحاجة اللي كان ماسكها اللي اتكلم، وده خلاني أتزحلق. النور اللي كان مغطيه خف، ولمحت وشه. مقدرتش أنطق، وقبل ما يغمى عليا، سمعت صوته تاني، بنبرة هادية. "أيودا، بادري زامورا! آي ألجيين آكي!" (المساعدة، يا أب زامورا! فيه حد هنا!)
      
      
      --- يتبع ---
      
      

      الناجية الأخيرة - روايه رعب

      الناجية الأخيرة

      بقلم,

      رعب

      مجانا

      قناصة شاطرة عايشة في عالم دمره الزومبي، بتضطر تطلع مهمة خطيرة بتفشل ويموت كل اللي معاها. بتصحى تلاقي نفسها في شقة فخمة في مدينة مدمرة، وبيكون أنقذها شاب غامض اسمه جابرييل. أليسا بتكتشف إن البرج اللي هي فيه معزول تمامًا عن الزومبي اللي مالين الشوارع تحت. الصدمة الحقيقية لما جابرييل بيعرفها إنه مش إنسان، وإنه مصاص دماء عمره ٧٥٤ سنة. وفي النهاية بيكشفلها إنه أنقذها من الزومبي لسبب واحد بس: هو جعان ومحتاج دمها.

      أليسا

      قناصة ماهرة بس بتكره العنف. أهلها ماتوا (أمها وهي بتولدها وأبوها أكله الزومبي). هي المسؤولة عن أختها الصغيرة "ديان"، وبتخاف جدًا تطلع في مهمات بره السور عشان مصير أبوها.

      جابرييل

      شاب وسيم وهادي عايش لوحده في شقة فاخرة في برج بمدينة ناشفيل المهجورة. هو في الحقيقة مصاص دماء عمره أكتر من ٧٠٠ سنة. أنقذ أليسا من الموت، لكن دوافعه الحقيقية إنه كان محتاجها كغذاء.

      ماكس

      عمدة بلدة أليسا. هو شخص عملي ومستعد يضحي بالناس، وهو اللي ضغط على أليسا تطلع المهمة وكدب عليها وقال إنها "سهلة".
      الناجية الأخيرة - روايه رعب
      صورة الكاتب

      عندما وُلدت أليسا، كان العالم قد ذهب بالفعل إلى الجحيم. الفيروس، المعروف في الأوساط الطبية باسم (زد-٩١٤)، كان هو المسؤول عن بدء كارثة نهاية العالم التي كان يخشاها الجميع؛ عصر الموتى الأحياء. عندما بدأ التفشي الأول في الصين، لم يكن لدى العالم أي فكرة عما يحدث حتى فات الأوان. حجبت الدولة وسائل الإعلام عن اكتشاف المرض الجديد، وأخبرت الدول الأخرى أنه مجرد تفشٍ جديد لأنفلونزا الخنازير وأنه شيء يمكنهم السيطرة عليه. عندما أصبح الموتى الأحياء بأعداد هائلة لدرجة أن الحكومة الصينية نفسها انهارت، عندها أصبحت الأمور بشعة للغاية. وفي تصرف قد يكون عبقرية استراتيجية أو ربما خوفًا غير عقلاني، أطلق الاتحاد السوفيتي السابق وابلًا من الأسلحة النووية التكتيكية على الصين في محاولة لإنهاء تفشي الزومبي قبل أن يزداد الأمر سوءًا. وبينما حاول الكثير من الناس إيقافهم، فإن قربهم الشديد جعل من الصعب تحذير أي شخص بما كان على وشك الحدوث. قصف الروس تحديدًا المناطق التي تحمي حدودهم، على أمل أنه إذا لم يقضِ الانفجار عليهم جميعًا، فإن التداعيات النووية ستقضي على الباقين. حبس العالم أنفاسه، آملًا أن تكون هذه الإجراءات المتطرفة، رغم قسوتها الشديدة، كافية لوقف الموتى الأحياء. لكنها لم تكن كذلك.
      
      كان المرض قد انتشر إلى الشرق الأوسط قبل سقوط القنابل النووية، واستمر في الانتشار إلى أفريقيا وأوروبا. بذلت دول أمريكا الشمالية قصارى جهدها لمنع الوباء من عبور المحيطات ولكن كان مجهودًا بلا فائدة. على الرغم من الحصار وإسقاط أي طائرة حاولت دخول مجالهم الجوي، عبر الزومبي القطب الشمالي من روسيا واجتاحوا كندا في طريقهم لإصابة بقية الأمريكتين. بذل الجيش الأمريكي قصارى جهده لمحاربة الزومبي، لكن أعدادهم كانت أكبر من اللازم، وسقطت الحكومات، وتشتت الناس يائسين للعثور على مأوى والبقاء آمنين. تحسبًا للأسوأ، كانت المدن الأمريكية قد بدأت في اتخاذ خطوات لحماية نفسها منذ اللحظة الأولى للإبلاغ عن التفشي في الصين. استخدمت المدن كل ما لديها من أموال وبدأت في بناء أسوار، أسوار ضخمة. استغرق الأمر من الزومبي عقدًا تقريبًا لعبور الأقطاب بنجاح، وبحلول الوقت الذي تم فيه ذلك، كانت معظم المدن الكبرى في أمريكا الشمالية لديها أسوار يبلغ ارتفاعها ما يقرب من مائة قدم وسمكها من عشرين إلى ثلاثين قدمًا، ومعظمها مليء بالخرسانة. وبينما كانت المدن تكافح لتحصين نفسها، كان باقي البلاد متروكًا لمصيره. تم اجتياح الضواحي والبلدات الصغيرة وذُبح أهلها. كانت المدن الواقعة بجوار المسطحات المائية هي التي تمكنت من النجاة. لقد استخدموا المحيط لصالحهم لأن الزومبي لم يكونوا قادرين على السباحة. مدن مثل نيويورك وسان فرانسيسكو وحتى نيو أورلينز كانت هي الثلاث التي نجحت في صد الموتى بنجاح أكبر من غيرها. ومع ذلك، كانت هناك بلدات متفرقة غريبة تمكنت من بناء أسوارها الخاصة والدفاع عن نفسها. كانت قليلة ومتباعدة ولكن كان هناك دائمًا عدد قليل من الصامدين الذين تمكنوا من ركوب الموجة والنجاة.
      
      وُلدت أليسا في واحدة من تلك البلدات، ولأنهم لم يعيشوا بالقرب من مسطح مائي، كان من الضروري دائمًا السفر إلى أرض الموتى الأحياء للبحث والتقاط الإمدادات. كانت أليسا تتذكر كل مرة يخرج فيها والدها مع مجموعات للبحث عن المزيد من الطعام والماء. أحيانًا كان الجميع يعودون، ثم كانت هناك أوقات لا يعود فيها الجميع. كانت لا تزال تتذكر اليوم الذي كان فيه والدها هو الذي لم يعد من الرحلة. لقد حاصرهم الموتى الأحياء وهم يحاولون العثور على شيء داخل متجر (وول مارت) مهجور. كان ذلك أكثر الأيام حزنًا في حياتها. لم تعرف والدتها أبدًا، التي ماتت وهي تلدها، لذا كان فقدان والدها مأساويًا أكثر لأنه كان الوالد الوحيد الذي عرفته.
      
      على مدى السنوات العشر التالية التي عاشتها في البلدة، تعلمت أليسا كيف تقتل المصابين. على الرغم من كراهيتها للعنف، إلا أنها كانت بارعة جدًا في قتل الموتى الأحياء. لم يكن شيئًا تستمتع بفعله، وغالبًا ما كانت تتطوع للقيام بأي شيء لتجنب الخدمة على السور. ومع ذلك، أبقتها البلدة فوق ذلك السور لأنه لم يكن تصويب أحد أفضل من تصويبها. كانت مجرد مسألة وقت قبل أن يطلب أحدهم من أليسا القيام بالمهمة الوحيدة التي أقسمت أنها لن تفعلها أبدًا. كانت في المطبخ تغسل الأطباق عندما جاء ذلك اليوم.
      
      "أليسا." نادى صوت من الجانب الآخر للمطبخ.
      
      كانت تتوقع أن ترى النادل هناك ومعه المزيد من الأطباق لتنظيفها، لكنه لم يكن هو. بدلًا من ذلك، كان آخر شخص أرادت التحدث معه. كان اسمه ماكسويل ديفيز، لكن الجميع كانوا ينادونه إما بـ "العمدة" أو "ماكس".
      
      "أنا بصراحة مشغولة جدًا دلوقتي." قالت أليسا، محاولةً الابتعاد.
      
      "أنا محتاج أتكلم معاكي." أصر ماكس، "الموضوع مهم جدًا."
      
      لم يكن العمدة يريد التحدث معها كل يوم ولكنها كانت تعلم الأفضل. كانت أليسا تعرف بالضبط ما الذي يريد التحدث معها بشأنه. كانت تتجنبه منذ شهور منذ أن أبهرت الجميع في ميدان الرماية.
      
      "أنا مش هخرج بره،" قالت له، "أبويا مات بالطريقة دي."
      
      "أنا عارف،" قال ماكس، وهو يقترب. "بس إحنا خلاص بقينا في وضع يائس."
      
      "أنا عندي أخت،" فكرته أليسا. "أنا كل اللي فاضل لديان. مين هياخد باله منها لو مرجعتش من الطلعة دي؟"
      
      "أنا." رد عليها، "وكمان باقي البلدة."
      
      "مش معنى إني شاطرة في النيشان،" قالت أليسا وهي تستأنف غسيل الأطباق. "إن هكون كويسة بره."
      
      "إنتي واحدة من أعلى المواطنين تقييمًا عندنا هنا." اعترض العمدة، "درجاتك في المناطق من أعلى الدرجات. إرسال أي حد تاني بره بيخاطر بحياة ناس أكتر، مش أقل."
      
      "ده مش معناه إني هكون كويسة بره!" ردت أليسا بصوت عالٍ، ولا تزال خائفة.
      
      "إحنا هنبدأ معاكي بطلعة سهلة." قال ماكس، رافضًا قبول الرفض. "منطقة إحنا عارفين إنها هادية وهتكون مكان مثالي عشان تاخدي على الجو."
      
      "وأنا إيه اللي هيعود عليا؟" سألت أليسا وقتها.
      
      "عندك حق،" قال العمدة، متوقفًا لثانية. "إيه رأيك نظبطلك مكان ليكي إنتي وأختك عشان تبطلوا عيشة مع عيلة ويلسون؟"
      
      كان ذلك عرضًا كبيرًا. على الرغم من مخاوفها، عرفت أليسا أنه عرض لا يمكن تفويته. استطاع العمدة أن يرى أنها تفكر في الأمر.
      
      "طلعة خفيفة في البداية، بس عشان أتعود؟" كررت.
      
      "أيوه، طبعًا!" أكد العمدة. "إحنا مش هنرميكي في الغريق قبل ما تتعلمي العوم. أوعدك هنديكي طلعة خفيفة، وندخلك في الموضوع واحدة واحدة. لو بس خليتي عينك على أي ميت حي غريب، هتبقي بخير. إحنا معانا قايمة بالحاجات اللي محتاجين مجموعتك تدور عليها، إمدادات الناس في البلدة محتاجينها ضروري. إحنا محتاجين مساعدتك."
      
      توقفت أليسا عن غسيل الأطباق ثم رمت السفنجة مرة أخرى في الماء. "خلاص، موافقة. هعملها."
      
      كانت تتذكر عناق أختها في ذلك الصباح. بكت ديان لأنها كانت خائفة من أن أختها ستموت هناك تمامًا كما حدث لوالدهما. كانت أليسا مصممة على التأكد من أن ذلك لن يحدث مرة أخرى، ولكن ذلك لم يضمن أي شيء هناك في أرض الموتى الأحياء. لم يكونوا بالخارج لأكثر من نصف يوم عندما أدركت أليسا أن العمدة قد كذب عليها بشأن التساهل معها في طلعتها الأولى. تمت محاصرة مجموعتها بما يقرب من مائة من الزومبي، وكانوا محاصرين في متجر بقالة ضخم بلا أي مخرج. آخر شيء تذكرته قبل أن تفقد وعيها كان صرخات الآخرين في مجموعتها وهم يُقتلون.
      
      
      
      
      
      
      لما فتحت عينيها، أليسا مكنتش في نفس المبنى. الأضواء الفلورية الساطعة من متجر البقالة اتبدلت بأوضة إضاءتها خافتة متنورة بفوانيس متعلقة ع الحيطة. اتعدلت بالراحة عشان تدرك إنها كانت نايمة على سرير كبير في أوضة شكلها فخم وكانت كمان نضيفة أوي. أليسا بصت حواليها في الأوضة بس مشافت ش حد هناك. خرجت بالراحة من أوضة النوم، ودخلت في طرقة. ولحد ما وصلت لأوضة المعيشة، قررت تنادي وتشوف إذا كانت فعلًا لوحدها.
      
      "حد هنا؟" هي ندهت بصوت عالي، كانت مستنية حد يرد. مجاش أي رد.
      
      في اللحظة دي أليسا بدأت تبص على جسمها، عشان تتأكد إنها مش مصابة أو متأذية. مكنش فيه أي عضات، ولا جروح، ولا أي علامات إنها اتصابت من الزومبيز اللي هجموا عليها. أليسا كانت سليمة تمامًا. بالنظر لكمية الموتى الأحياء اللي كانوا جوه السوبر ماركت ده، فإنها تخرج عايشة ومن غير خدش واحد ده كان يعتبر معجزة. وحقيقة إنها كانت فاقدة الوعي لما كل ده حصل، ده معناه إن في حد تاني مش بس أنقذها لكن كمان جابها للمكان ده، أيًا كان هو فين. أليسا بصراحة كانت فاكرة إن دي كانت النهاية خلاص في السوبر ماركت ده، لكن أهي، ماشية في مكان غريب مش في بلدتها. بدل ما تتذمر عشان مش عارفة هي فين، أليسا اختارت تقدر حقيقة إنها لسه عايشة وإنها هتقدر تتصرف في موضوع غيابها عن البيت ده بعدين.
      
      "مساء الخير،" صوت نده.
      
      أليسا لفت بسرعة وكانت مصدومة لما شافت الشاب اللي واقف قدامها. هو حرفيًا ظهر من العدم. هي كانت باصة ناحية الباب عشان كده معندهاش أي فكرة إزاي دخل الأوضة من غير ما تاخد بالها.
      
      "إنت طلعتلي منين؟" هي سألته.
      
      "دي عادة وحشة." الراجل رد، "هتتعودي على كده."
      
      "أنا فين بحق الجحيم؟" أليسا سألت. كل اللي كانت تعرفه إن المكان ده مش في أي حتة جوه بلدتها. "فين كل الناس؟"
      
      "إنتي في بيتي." هو رد، "مفيش حد تاني هنا."
      
      "أنا مش فاهمة، إزاي بتبعد الموتى الأحياء عن هنا؟" أليسا سألت.
      
      "بصي بره وشوفي بنفسك." هو جاوب.
      
      أليسا مشيت لحد الشباك اللي في أوضة المعيشة القريب منها وبصت بره بعد ما فتحت الستاير. هي كانت في حاجة زي الدور العشرين في مبنى عالي. كانوا في وسط مدينة مهجورة لأن كل المباني اللي حواليهم كانت ضلمة. لما بصت تحت، قدرت تشوف كمان إن فيه ميات، يمكن آلاف، من الزومبي ماشيين في الشوارع بره.
      
      "إحنا فين؟" أليسا سألته.
      
      "إحنا في المدينة اللي كان اسمها ناشفيل." الراجل جاوب.
      
      أليسا بصتله تاني، وهي قلقانة شوية. "إزاي هنخرج من هنا؟ إحنا متحاصرين!"
      
      "هم ميقدروش يطلعوا هنا." هو رد، "أنا دمرت كل السلالم ما بين الدور الخامس والتاسع. ففيه فجوة أربع أدوار. كل الأدوار من العاشر وطالع أمان، بس أنا بنصح إنك تفضلي فوق هنا."
      
      "وفين 'فوق هنا' ده؟" أليسا سألت.
      
      "الدور العشرين." الراجل جاوب.
      
      "طب والأسانسيرات؟" أليسا استفسرت.
      
      "الكابلات مقطوعة، مش شغالين."
      
      "إنت هنا بقالك قد إيه؟" هي سألت بعدها.
      
      "من ساعة ما المدينة اتهجرت." الشاب جاوب وهو بيمد إيده. "أنا اسمي جابرييل."
      
      "أليسا." هي قالت وهي بتمسك إيده وتسلم عليه. وقفت للحظة. "أنا هنا بقالي قد إيه؟"
      
      "يومين." جابرييل جاوب. "إنتي اتخبطتي خبطة جامدة أوي ورا. أنا مكنتش متأكد إنك هتعدي منها لبعض الوقت."
      
      "يومين،" أليسا كررت وهي بتفكر في اللي حصل. في اللحظة دي، البلدة كلها أكيد فاكرة إنها هي وطاقمها كلهم اتقتلوا في المهمة.
      
      "إنتي أكيد جعانة." جابرييل قال، وهو بيشاور على الترابيزة في الأوضة اللي جنبها. "ممكن نكمل كلامنا ده وإحنا بنشرب شوية شوربة؟"
      
      "أكيد، ماشي." أليسا قالت، وهي متفاجئة بلطف من كرم ضيافة جابرييل.
      
      جابرييل داس على واحد من زراير النور على الحيطة والأنوار الكبيرة اللي فوقيهم نورت، والسطوع خض أليسا.
      
      "إنت عندك كهربا؟" هي سألت، مصدومة إنها شايفة النور شغال.
      
      "أه عندي،" جابرييل قال، مستمتع بخضتها. "أنا ركبت ألواح شمسية على سطح المبنى ده. أنا عادة مش بستخدم الأنوار، بس افتكرت إنك هتفضلي تشوفي إنتي بتاكلي إيه."
      
      "شكرًا،" أليسا قالت وهي بتتفحص الشقة الضخمة اللي هما فيها، اللي كان شكلها زي ما كانت متخيلة شكل الشقق الفاخرة اللي في الأدوار الأخيرة.
      
      "المكان ده جميل أوي." هي قالتله.
      
      "ده كان بتاع مغني ريفي،" جابرييل بلغها وهو ماشي قدامها للمطبخ. هي قعدت على كرسي عالي قدام جزيرة صغيرة في وسط المطبخ الضخم وشافته وهو بيبدأ يجهز الشوربة. طلعها من العلبة وحطها في حلة، وشغل البوتاجاز وبدأ يخليها تستوي.
      
      "أنا خايف إن شوربة الخضار هي النوع الوحيد اللي عندي هنا دلوقتي،" جابرييل قال، وهو بيقلب الحلة وهي بتستوي. "كنت حاولت ألاقي حاجة أحسن لو كنت أعرف إن هيبقى عندي ضيوف."
      
      "لا، عادي مفيش مشكلة." أليسا قالت وهي قاعدة بتتفرج عليه وهو بيسوي الشوربة على البوتاجاز. "أنا مش فاكرة كتير من اللي حصل."
      
      "ده مش غريب،" جابرييل قال، من غير ما يبعد عينه عن الشوربة اللي بيسويها. "معظم الناس اللي بتتخبط في دماغها جامد كده نادرًا ما بيفتكروا الخبطة. وبالنظر لكمية الزومبي اللي كانوا هناك، يمكن ده يكون للأحسن. إنتي محظوظة إني كنت بالصدفة في المنطقة لما اتهجمتوا."
      
      "إنت كنت بتعمل إيه بره؟" هي سألته.
      
      "نفس اللي كنتي بتعمليه،" جابرييل جاوب، "بدور على إمدادات."
      
      "إزاي خرجنا من هناك؟" أليسا سألت، "إزاي هربنا؟"
      
      "مش بالظبط حاجة نتكلم فيها قبل الأكل." جابرييل قال، وهو مستمر في التقليب. "أوعدك هقولك كل حاجة عيزا تعرفيها بعدين. بس خليكي عارفة إنك في أمان هنا."
      
      "شكرًا." أليسا قالت، وهي بتتنهد بعمق.
      
      بعد دقايق بس، جابرييل صب الشوربة في طبق واحد وقدمهولها ومعاه معلقة. "بالهنا والشفا."
      
      هي خدت المعلقة وجربت الشوربة. كانت حلوة جدًا بس مش حاجة هي متعودة عليها لأن معظم الإمدادات الغذائية كانت خلصت وبقى صعب تلاقيها. "إنت مش هتاكل؟"
      
      "أنا هاكل بعدين،" جابرييل بلغها، وهو بيقعد على الترابيزة معاها. "كنت عرضت عليكي شوية عيش، بس معملتش. هحاول أكون مضياف أكتر المرة الجاية."
      
      "كفاية تفكيرك." أليسا قالت، وهي بتكمل أكل.
      
      "أنا بس مش متعود يكون عندي ضيوف." جابرييل اعترف.
      
      "إنت هنا لوحدك بقالك قد إيه؟" أليسا سألت.
      
      "أكتر مما أحب أعترف." جابرييل قال وهو بيبتسم لها ابتسامة دافية. "أنا معنديش مانع من الوحدة بس لازم أعترف إنه من اللطيف إن يكون عندي صحبة فعلًا."
      
      "أنا مش سجينة هنا، صح؟" أليسا قالت فجأة من خوفها.
      
      "أكيد لأ،" جابرييل قال وهو بيضحك ضحكة خافتة. "هكون مبسوط إني أرجعك بيتك في أي وقت تحبيه. أنا بس كنت آمل إنك تقدري تساعديني الأول."
      
      "بما إنك أنقذت حياتي، أنا موافقة تقريبًا على أي حاجة." أليسا قالت وهي بتكمل شرب الشوربة بتاعتها. "إيه المقابل؟"
      
      "أنا مش هكدب عليكي، هو طلب تقيل." جابرييل اعترف، "إنتي عندك كام سنة؟"
      
      "أنا عندي ستة وعشرين." أليسا ردت. "وإنت؟"
      
      "سبعمية أربعة وخمسين." جابرييل جاوب.
      
      "ده مش ممكن،" أليسا قالت، وهي بتقف فجأة من على الترابيزة. "إزاي حاجة زي دي ممكنة أصلًا؟"
      
      "إنتي عارفة،" جابرييل بدأ، وهو كمان بيقف. "لو كنت سألتك من أربعين سنة إذا كنتي بتصدقي في الوحوش، غالبًا كنتي هتقولي لأ. بس إنتي بتصدقي في الوحوش دلوقتي، مش كده يا أليسا؟"
      
      أليسا وقفت للحظة. "بما إن الموتى الأحياء بيمشوا على الأرض من قبل ما أنا أتولد، أقدر أقول آه."
      
      "يبقى أهي إجابتك." جابرييل قال وهو رافع إيديه. "أنا وحش عمره سبعميت سنة."
      
      "أنهي نوع من الوحوش؟" أليسا سألت.
      
      جابرييل سكت للحظة قبل ما يرد. "أنا مصاص دماء."
      
      في الأول أليسا كانت عايزة تضحك على الشاب. هي كانت قرت عن مصاصي الدماء في مكتبة بلدتها بس ولا مرة فكرت إنهم موجودين بجد. بعدين بصت تاني بره الشباك على ميات الزومبي اللي كانوا ماشيين في شوارع ناشفيل وبعدين بصت تاني لجابرييل. فكرت مع نفسها، لو فيه وحش واحد موجود، يبقى الباقيين مش هيبقوا بعيد عن التصديق أوي بعد كل ده.
      
      "مصاص دماء؟" هي ندهت تاني.
      
      "أيوه." جابرييل قال، مخلي إجاباته قصيرة عشان مكنش عايز يربكها.
      
      "أنا فاكرة إني قريت عن فصيلتك." أليسا قالت وهي بتمشي وراه في أوضة المعيشة. "كنت فاكرة إن الكتب دي مجرد خرافات. أعمال خيالية بدأت في أواخر القرن السبعتاشر."
      
      "أنا خايف إنهم أكتر من مجرد خرافات،" جابرييل أكد، وهو بيقعد على واحدة من الكنب. "كل وحش قريتي عنه موجود بجد بره. هما بس بقوا أنشط بكتير من ساعة ما موضوع الزومبي ده بدأ."
      
      "أنا قريت كل الكتب عن فصيلتك." أليسا كررت.
      
      "ده اللي سمعته،" جابرييل رد، "يبقى إنتي عارفة إحنا بنعيش إزاي؟"
      
      "أيوه،" أليسا قالت، وهي بتفكر. "هو ده السبب إني هنا؟"
      
      "هو ده،" جابرييل اعترف. "أنا جعان."
      
      

      رواية نبوءة المحاربة - قصه فايكنج

      نبوءة المحاربة

      بقلم,

      تاريخيه

      مجانا

      بنت كانت منبوذة في "كاتيجات" بترجع بعد 6 سنين وهي جميلة و"هانم". كل ولاد "راجنار" الأقوياء بيقعوا في غرامها وبيطاردوها. بس هي مابتحبش غير "إيفار عديم العظم" صديق طفولتها المنبوذ زيها. "إيفار" بيصدها بسبب غضبه وإحساسه بالنقص من عجزه. في الآخر، هي بتواجهه بحبها وتوعده إنها هتخليه يتشاف كـ "محارب وزوج" مش "عاجز".

      إنتي

      بنت "وحشة" ومنبوذة، رجعت قوية وجميلة. عارفة هي عاوزة إيه بالظبط، وقلبها اختار "إيفار" بس.

      إيفار

      أصغر إخواته وعنده عجز. ذكي جداً بس غضبه مدمر وإحساسه بالنقص مسيطر عليه، وبيحب البطلة من الطفولة.

      أسلوج

      أمهم. هادية وحكيمة، وشايفة إن مصيرك مرتبط بـ "إيفار" وبتشجع ده.
      رواية نبوءة المحاربة - قصه فايكنج
      صورة الكاتب

      ملخص: بعد ست سنين غياب، أخيراً رجعتي لـ "كاتيجات". وهناك لفتّي انتباه كل ولاد "راجنار". بس إنتي كل تركيزك كان على أصغر واحد فيهم، "إيفار عديم العظم"، صديق طفولتك.
      
      ***
      
      إنتي مكنتيش شفتي ولاد "راجنار" بقالك سنين. كف إيديكي كان بيعرق وإنتي بتقربي من "كاتيجات". الجو المألوف غمرك. زمان، من زمن بعيد أوي، كنتي بتلعبي معاهم كلهم. الكبير، "أوبي"، عمره ما قدر يعاملك أسوأ أو أحسن من مجرد معرفة. تقدري تقولي إنك مكنتيش أجمل بنت في "كاتيجات". كنتي جامحة، عمرك ما سمعتي كلام مامتك، وطبعاً ولا كلام باباكي. "فيتسيرك"، زيه زي أخوه "سيجورد"، مكنوش بيدوكي أي اهتمام. ولما كنتوا بتيجوا وش في وش، كانوا بيعاملوكي كأنك هوا. كأنك تقريباً مش موجودة. بس مكنتيش تقدري تقولي نفس الكلام عن أصغر واحد، "إيفار". إنتو الإتنين كنتوا منبوذين، ومحدش كان عاوزكم، وعشان كده ارتبطتوا ببعض. هو مكنش مهتم بملامحك اللي مكنتش حلوة (حتى لو كنتوا لسه صغيرين)، مكنش فارق معاه إن ريحتك دايمًا كانت زفارة بسبب شغلانة باباكي أو إن شخصيتك كانت صاخبة شوية. مع بعض، كنتوا لايقين على بعض. بجهلك، مكنتيش فاهمة لما "إيفار" واجهك بكل قوة عصبيته. إنتي خدتي الموضوع على إنه هزار أهبل. في الآخر، الواد اتعلق بيكي فعلاً. بس، على ما تميتي عشر سنين، سفروكي. مامتك كانت عاوزاكي تتصرفي زي الأميرة الكاملة، اللي هي كانت شايفاكي عليها. وعشان كده، آخر ست سنين، إنتي ركزتي إنك تبقي "هانم". وقفة مظبوطة، بشرة صافية، خطوات مالهاش صوت، ملامح رقيقة، كل حاجة فيكي مثالية. وأخيراً، وصلتي لده. مكنش عشان ترضي مامتك، بس عشان ترجعي بيتك، عشان تشوفي "إيفار" وإخواته تاني.
      
      لما المركب بطلت تتهز، عرفتي إنك رجعتي. ولما نزلتي، بمساعدة الست اللي كانت بتعلمك، مقدرتيش تمنعي نفسك إنك تحني لجذورك القديمة. من ورا مامتك وباباكي، اللي كانوا مستنيينك في آخر الرصيف، إنتي دورتي بعينيكي على الأمراء المشهورين. بس، مكنوش هناك. هما أصلاً مكنوش يعرفوا إنك رجعتي. كانوا نسيوكي مع الوقت. "إيفار" كان فاكرك فاكرة بسيطة أوي، منسيكيش خالص بس مكنتيش في باله. ووقت ما كنتي بتسلمي على أهلك، الإخوات كانوا بيتمرنوا.
      
      في الآخر، بعد ما اتعودتي على "كاتيجات" من تاني. سألتي هنا وهناك عن مكان الأمراء. وده وصّلك للغابة، وهناك اتفرجتي عليهم بصمت من وسط الضلمة. شعرك (اللي لونه كذا) كان بيطير مع الهوا الخفيف وعينيكي (اللي لونها كذا) كانت بتمسح المكان. السيوف كانت بتخبط في بعض. راس غزال كانت مربوطة في عمود، كانوا بيتمرنوا عليه في النشان. إنتي فكرتي تخضيهم، تنطي فجأة وتعملي دخلة قوية. بس، الخطة دي مبقتش كويسة لما تخيلتي فأس في دماغك، زي اللي كان في إيد "سيجورد".
      
      بعد كام لحظة بتتفرجي عليهم، بيتخانقوا مع بعض، ومش واخدين بالهم إن حد بيراقبهم. أخيراً، قررتي تمشي وتطلعي للنور.
      لما عملتي كده، "أوبي" خد باله منك. ووقف. عينيه فضلت تتابع جسمك كله، اللي كان مستخبي تحت فستانك، وهو ماسك القوس بتاعه، ومستعد يضرب.
      
      "مالك يا أوبي، خايف تخسر الرهان؟" "إيفار" قاله بزعيق من على الجذع اللي كان قاعد عليه. لحسن الحظ، بسبب كلامه، كلهم بصوا في نفس الاتجاه اللي أخوهم الكبير كان باصص فيه وشافوكي واقفة بتتفرجي. شعرك الطويل كان بيرقص في الهوا وإنتي مشبكة إيديكي قدام جيبتك الزرقا. ملامحك الرقيقة اتمسحت واحدة واحدة بعيون كل أمير فيهم، لحد ما شفايفك المليانة الوردية اترسمت عليها ابتسامة.
      
      "أهلاً" "فيتسيرك" هو اللي سلّم، وغرز سيفه في الطينة الرطبة قبل ما يقرب منك.
      مع السنين هو طول، الغريبة إنك كنتي أطول منه وإنتوا صغيرين.
      
      "أهلاً يا فيتسيرك، شكلك كويس" ابتسمتي، وبعدين بقيتي تتهزي على طراطيف صوابعك والولاد بيتفرجوا عليكي.
      
      "هو إحنا نعرفك؟" "سيجورد" اتكلم.
      
      لما هزيتي راسك، ملامحهم كلها غرقت في الحيرة وهما بيحاولوا يرجعوا بذاكرتهم لورا، بيحاولوا يفتكروكي في ماضيهم.
      
      "مظنش إنك إنت أو فيتسيرك هتفتكروني، ولا حتى أوبي للأسف. أنا مكسوفة أقول إني خايبة الأمل في إيفار. كنت فاكرة إنه هيفتركرني على الأقل" قولتي، وإنتي مثبتة نظرك على الولد اللي كان لسه قاعد على الجذع. من الضلمة مكنتيش شايفاه كويس. بس دلوقتي إنتوا الإتنين في النور وشايفة ملامحه الوسيمة. ملامحه كانت حادة، بعضم خدود عالي، وخط فك مرسوم. والعيون دي. إنتي غرقتي فيهم. زي السما الصافية، ده اللي فكروكي بيه.
      
      "إنتي مين؟" "أوبي" سأل، أخيراً سألك السؤال اللي كل إخواته كانوا عاوزين يعرفوه. ضحكة خافتة هربت من شفايفك، خلت كل الأمراء اللي قدامك يرتعشوا من الرغبة.
      
      "أنا (اسمك).... كنت بمشي وراكوا في كل حتة...." حتى مع كلامك، لسه باين عليهم إنهم مش عارفينك.
      
      "أنا البنت الوحشة اللي كانت لازقة لإيفار وهو عنده عشر سنين" مع الكلمتين دول، الإخوات فهموا إنتي مين. إنتي اللي كنتي بترشي عليهم مية لما تنزلوا تعوموا، وتقريباً غرقتي "سيجورد" تحت المية وإنتوا بتهزروا وتتخانقوا. إنتي كنتي بتشيلي "إيفار" على ضهرك، حتى لو مكنش ده فعال أوي، بس كنتي بتحاولي. "أوبي"، إنتي كنتي معجبة بيه جدًا، وكل الناس كانت شايفة ده، هو كان ملفوف حوالين صباعه زيك زي الشبل الصغير، ده اللي كنتي عليه حواليه. و"فيتسيرك"، بالنسبة لتاني أكبر ولاد "راجنار" إنتي كنتي زي الطاعون، بابتسامتك اللي من غير سنان وريحة الزفارة اللي كانت ماشية وراكي.
      
      "إيه اللي حصل؟" "سيجورد" سأل وإنتي بتقربي، بتتفحصي كل الولاد وإنتي واقفة جنب "إيفار". دايمًا جنب "إيفار". بس، بدل ما يتضايق زي ما كان بيعمل زمان لما كنتي بتلفي حواليه. هو بدأ يحس بإحراج ويتلجلج وهو جنبك.
      
      "أنا مشيت بعيد، كبرت، ورجعت" شرحتي ببساطة.
      عند النقطة دي، إنتي لفيتي لـ "إيفار" ووطيتي عشان تبقوا عينك في عينه. هو حاول يوطي راسه، بس إنتي مسمحتيش بده. كنتي عاوزة تشوفيهم كلهم، بوضوح.
      إيدك طلعت ومسكت دقنه، وغصبتيه يفضل باصص لك وش لوش. "أوبي" و"فيتسيرك" و"سيجورد" كانوا بيتفرجوا ومبهورين، مش قادرين يستوعبوا اهتمامك الغريب بأخوهم العاجز.
      
      "إنت كبرت وبقيت وسيم أوي" قولتيها بصراحة، وبعدين قطعتي كل اتصال معاه وإنتي بتاخدي وقتك مع كل واحد من ولاد "راجنار".
      
      ***
      
      كان إحساس حلو إنك تشوفيهم تاني. لمدة أسبوع، يوم آه ويوم لأ، كنتوا بتقعدوا كلكم في القاعة الكبيرة. تشربوا، تحكوا، وتملوا الفراغات في حياة بعض اللي فاتتكوا. الموضوع كان مدهش بالنسبة لك. "أوبي"، اللي كنتي معجبة بيه وإنتي صغيرة، كبر وبقى قوي ووسيم. بس، حقيقة إنه هو و"سيجورد" و"فيتسيرك" بيتشاركوا في الجارية دي، خلاكي تكرهيهم أوي. إزاي قادرين كلهم يناموا مع نفس الست، بمنتهى قلة الحياء. وقرفك زاد أكتر لما سمعتي الإشاعات اللي دايرة. هي... مكنتيش عاوزة تسمعي أكتر. مامتك عمرها ما هتعرف، وممكن تموتي لو باباكي عرف. بس، إنتي حلمتي بيه. حلمتي إنك بتمارسي الحب مع "إيفار"، لو كان ينفع تسمي ده حب أصلاً. كان نفسك تقفي جنبه، حتى لو هو مكنش بيقدر، كان نفسك تجيبي منه عيال، تعيشي أيامك لحد آخر نفس معاه. مكنتيش قادرة تتخيلي هو ممكن يكون حاسس بإيه. إنه خلاص مابقاش راجل، محروم من حق المتعة والحركة من الآلهة.
      
      "هو ده بجد، قصدي. معاكوا دليل" سألتي، وإنتي بتشبكي صوابعك في حجرك.
      القاعة الكبيرة كانت مليانة ناس كتير، ستات ورجالة وعيال، كلهم زي بعض بيشربوا وياكلوا. الإخوات، الأمراء، ولاد "راجنار"، كانوا قاعدين معاكي، حوالين النار وإنتي مركزة مع طقطقة اللهب. جو من الفرحة الخفيفة والسكينة غمرك.
      
      بس، مع سؤالك، الولاد اتوتروا. ده خلى "فيتسيرك" يقف وكوبايته خلاص كانت هتلمس شفايفه.
      
      "مارجريت هي كل الدليل اللي محتاجينه. هي شرحت كل حاجة بالتفصيل الممل!" "سيجورد" ضحك، ورجع ضهره لورا على كرسيه كأنه قتل وحش عظيم، وجيه وقت استلام مكافئته.
      
      
      
      
      
      
      
      قبضتي على إيديكي، وضربات قلبك بقت سريعة لدرجة إنك حسيتي بيها بتدق في ودانك. مكنتيش عاوزة تسمعي اسمها. كنتي عارفة إنك لو سمعتيه هتخسري كل حاجة تعبتي عشانها. كل السنين دي وإنتي بتحاولي تثبتي نفسك، لمامتك، إنك ممكن تكوني البنت المثالية اللي كانت بتترجى الآلهة عشانها.
      
      "أوبي" شاف ده. شاف العاطفة الخام وهي بتلمع في عينيكي (اللي لونها كذا). عشان كده، هو ضرب "سيجورد" على دراعه بضهر إيده، بيشاور لأخوه الصغير إنه يسكت. ولحسن الحظ، هو عمل كده فعلاً، بس فضل محتفظ بابتسامة مستفزة على وشه.
      
      في النهاية، اضطريتي تستأذني. حتى لو "سيجورد" مبقاش يكمّل في رده، إنتي مقدرتيش تستحملي الإحساس بالخنقة اللي كبر جوه زورك. مقدرتيش تبلعيه، زيك زي مشاعرك ناحية أخوهم الصغير.
      
      الموضوع ده استهلكك، أكل روحك لحد ما هو بقى مكانها. حتى لو كانت ذكرى باهتة بس واضحة، ذكرى مكنتيش قادرة تمسكيها أوي، بس هي كانت مدفونة جواكي بعمق. حسيتي كأنها علّمت على جلدك، وكل ليلة كنتي بتحلمي بـ "إيفار عديم العظم"، كنتي بتبقي عاوزة تخربشي في لحمك، عشان تخلصي من أي أثر ليه.
      
      بس، مقدرتيش. عمرك ما قدرتي. إنك تشيليه كان معناه إنك هتسيبي قشرة فاضية من... لأ... من اللي إنتي عليه.
      
      في نفس الوقت، وإنتي بتلفي في "كاتيجات". "إيفار" كان قاعد جنب المية، مش قادر يجمع أي إحساس، أي حاجة يدفن بيها اللي كان بيتقلب جواه من ساعة ما وصلتي. الإحساس ده كان بياكل فيه زي ما الديب بياكل فريسته.
      
      هو عمره ما حس بالإحساس ده. الغضب. الغضب الخام كان الحاجة الوحيدة اللي ممكن تغرقه في موجة من الاندفاع. بس دلوقتي، بعد ما رجعتي، دلوقتي وهو شافك بعينيه. مقدرش ينكر الإحساس اللي عمال ينخر في دماغه.
      
      إنتي بصيتيله بصة، مفيش ولا ست بصتهاله قبل كده. حتى "مارجريت" مقدرتش تفرض عليه رغبة فطرية زي دي في جسم واحدة ست.
      
      وبعدين، ودماغه مليانة بشبكة من الأفكار. إنتي ظهرتي. زي السراب دخلتي المكان اللي منوره القمر، كأنك إلهة. كأن مع كل خطوة، كنتي بتجيبي أعظم المحاربين تحت رجليكي. كنتي شايلة نفسك بفخر، بنعمة ممكن تسرق تركيز أي راجل ليكي. إنتي سحرتيه. خلتيه يتساءل، هو إنتي حقيقية أصلاً، ولا مجرد خيال من دماغه، مجرد حلم. لإنك كنتي أحسن من إنك تكوني حقيقة.
      
      مكنش فيه أي شفقة ورا عينيكي الفضولية.
      
      فجأة، هو اتنفض لما نظرك اتحول ليه. إنتي لفيتي راسك بسرعة لما حسيتي بوجود مألوف.
      
      هو بس فضل قاعد مكانه، باصص لك كأن الزمن وقف. كان عنده وقت يتأمل ملامحك الرقيقة، وجسمك اللي يثير الرغبة.
      
      "لقيتك" ابتسمتي.
      مع كل خطوة بتقربيها، إيديه كانت بتعرق أكتر، وقلبه بيدق أسرع وأسرع. وبعدين... صريخ "مارجريت" رن في دماغه. بتتحايل عليه، بتتوسله يبطل. وهو اتساءل وقتها لو إنتي أصلاً هتعوزيه لو قالك على مشاعره. لإن، مين هتعوز واحد عاجز. وكمان واحد عنده مشاكل غضب خطيرة زي دي.
      
      حتى مع كلامك، "إيفار" فضل ساكت، ورجع عينيه تاني للمية. بس مراية السما دي مكنتش تتقارن بيكي.
      
      "أنا بقالي كتير أوي مشفتكش... ودلوقتي إنت بالعافية قادر تبصلي" همستي، وبعدين بقيتي تلعبي في جيبتك. غريبة، مكنتيش قادرة تفهمي سبب تجاهله ليكي.
      
      "ما ترجعي لـ "أوبي"؟ شكله مستمتع بصحبتك" قالها، وصوته بينقط سُم وكل إحساس باين على وشه. كنتي شايفة الوجع، الألم اللي كان ماسك كيانه.
      
      "أنا رجعت عشان صديق طفولتي-" بدأتي، وإنتي بتقربي منه قبل ما تنزلي على ركبك، وفستانك الأزرق غطى العشب اللي تحتك "-متقدرش تتجاهلني دلوقتي". بس، حتى وإنتي بتتكلمي، هو مردش. فضل موطي راسه، وعينيه باصة على رجليه. إيديه فضلت على حجره، كان شكله متخشب، كتافه مشدودة ومش مرتاح.
      
      "أنا بالعافية فاكرك، زيي زي إخواتي. هما بس مهتمين لو قدروا يبصوا تحت فستانك ولا لأ" بصق الكلمتين دول.
      
      خدودك احمرت، وإيديكي قبضت على قماش جيبتك.
      
      "يلعنك يا إيفار راجنارسون" وعند النقطة دي، إنتي مشيتي. كنتي بالعافية قادرة تبصيله من غير ما تتكسفي. وفي الآخر، لما اختفيتي عن نظره، واستخبيتي ورا ستار من الضلمة. إنتي بجد سألتي نفسك هو كان عنده حق ولا لأ. أيوه، كان لازم تاخدي في اعتبارك إنك بتاخدي اهتمام أكتر من "سيجورد" و"أوبي" و"فيتسيرك". وبعد أسبوع، إنتي أدركتي إن "فيتسيرك" بتاع بنات، وإنه مكنش هيقرب منك أصلاً لو مكنش شكلك بقى كده.
      
      "(اسمك)!" "فيتسيرك" نده عليكي وسط زحمة الناس. وشه نور بابتسامته الساحرة وعينيه فضلت بتلمع.
      
      بس، وهو بيقرب، خد باله من وشك الأحمر، وعينيكي اللي مغرغرين بالدموع، ومسكتك القوية لفستانك.
      
      "مالك؟" سألك، وهو بيحاوط وشك بإيديه ومسك خدودك. غصبك تبصي في عينيه، وورا الاهتمام العميق ده، وقلقه عليكي، إنتي شفتي شهوة مدفونة، رغبة "إيفار" كان خلاكي تاخدي بالك منها.
      
      إنتي عيطتي. الدموع اللي كانت خلاص بتغلي في عينيكي (اللي لونها كذا) نزلت زي شلال مبيخلصش. شفتي الحقيقة في كلام "إيفار" وده خلاكي تحسي إنك عبيطة. إزاي مشفتيش نواياهم المستخبية؟ كل اللي كنتي محتاجة تعمليه إنك تبصي أقرب، وكانت هناك، واضحة زي الشمس.
      
      "لأ..." شهقتي وإنتي على صدره، وبتزقيه بعيد بلكمات ضعيفة. مكنتيش عاوزاه يلمسك. مكنتيش عاوزة أي حاجة من دي. بالنسبة لـ "أوبي" و"فيتسيرك" و"سيجورد" و"إيفار"، إنتي اختفيتي، ومحدش شافك غير بعدها بأسبوعين، لما كانوا كلهم متجمعين في القاعة الكبيرة.
      
      ***
      
      محدش شافك من ساعة خناقتك الصغيرة مع "فيتسيرك"، لو كان ينفع تسميها خناقة أصلاً. كل الإخوات كانوا قاعدين على ترابيزتهم مع مامتهم "أسلوج"، كلهم غرقانين في تفكير عميق. مكنوش فاهمين سبب إنك مبقتيش موجودة معاهم. ده لحد ما "سيجورد" اتكلم.
      
      "يمكن حد قال حاجة؟" سأل، والملكة كانت بتسمع في هدوء. هي حلمت بالبنت اللي كلهم بيتكلموا عنها، وإزاي هتتشابك مع مصير كل واحد من ولادها. بس، هي كانت عارفة إنتي تبع مين.
      
      "هي فعلاً كانت باينة متضايقة أوي لما جت من الغابة" "فيتسيرك" اتكلم، وشد انتباههم كلهم ليه وهو بينكش في حتة لحمة.
      
      "أنا عن نفسي، مكنتش أنا" "أوبي" ضاف، وبعده "سيجورد" و"فيتسيرك". بس "إيفار" فضل ساكت، ولسه بيبع في نصيبه من المشروب. صمت غريب غطى عليهم كلهم، كلهم استنوا بصبر رد فعل أخوهم الصغير. بس، هما فهموا بسرعة سبب سكوته ده.
      
      
      
      
      
      
      
      
      
      
      "يبقي إنت" سيجورد قالها بتهكم، وده خلى ابتسامة خبيثة تترسم على شفايف إيفار.
      
      "أنا بس قولتلها الحقيقة... إنكم إنتوا، كلكم، كنتوا بس عاوزينها تدفي سرايركم" إيفار أعلن، ومشاعره كانت باينة بوضوح على تعبيرات وشه.
      
      "وإيه يعني لو ده كان غلط؟ إيه يعني لو إحنا، بجد، كنا عاوزينها تبقى صديقة؟" أوبي اقترح.
      
      هدوء إيفار اختفى بسرعة. ضربات قلبه زادت، وبقى بيخبط في صدره وهو قاعد قدامهم كلهم. وزيادة على كده، رنين مُلح بدأ يصفر في ودانه، زي المنبه، تحذير أكيد للي هو كان هيعمله.
      
      "أو تكون زوجة" سيجورد ضاف. وهى دي كانت، الفتيل اللي حرّكه إنه ينفجر. بس، في اللحظة دي، صوت خطوات خفيفة رن في القاعة كلها وهما خدوا بالهم مين اللي دخل. إنتي.
      
      وش أسلوج اترسمت عليه ابتسامة خفيفة وإنتي بتقربي. هي كانت معجبة بطريقتك في المشي. ومن جواها، كانت بتتمنى يكون عندها بنت زيك.
      
      من غير ما الإخوات اللي من نسل راجنار لوثبروك يعرفوا. إنتي رجعتي البيت وساعدتي مامتك في شغل البيت. وفي الآخر، روحتي معاها للعراف عشان تسألي عن مصيرك. هناك، اتضح قلبك ملك مين. كان واضح، إنتي طول عمرك عارفة. هو مغرقكيش باهتمام زي إخواته، بس، كنتي تقدري تقولي برضه إنه كان مهتم زيهم بالظبط.
      
      "أهلاً. كنت بتمنى أقدر أنضم ليكم" ابتسمتي، وكان الرد إشارة لطيفة من أسلوج، بتطلب منك بصمت تقعدي جنبها، جنب إيفار. هي قدرت تشوف على وشك إزاي عينيكي نورت لما شفتيه.
      
      "اتفضلي طبعاً" مامتهم ردت، وصوتها المهيب رن في حيطان القاعة الكبيرة. زيك، حركاتها كانت رشيقة، زي الرقصة، أفعالها كان ليها كل الهدف وفي نفس الوقت مفيش أي هدف خالص.
      
      وهما بياكلوا إنتي شربتي شوية من الكوباية، مكنتيش قادرة تدخلي في حوار لإن مكنش فيه حوار أصلاً. وإنتي داخلة كنتي فاكرة بوضوح خناقة سخنة كانت دايرة بين الأمراء. بس، لما سمعوكي جاية، الأوضة سكتت. ده كان لحد ما، إيفار خد المبادرة وسأل السؤال اللي كان بياكل في دماغ إخواته.
      
      "روحتي فين الكام يوم اللي فاتوا؟" سأل، وهو بيميل لقدام قبل ما يشبك دراعاته على الترابيزة. وهو بيراقب كل حركة ليكي، قعّد نفسه مرتاح، عشان كده سند دقنه على دراعاته. كل حركة منك سحرته، مكنش هيجرؤ يشيل عينيه عن بنت زيك. بشكل مش من طبعه، لقى قلبه بيفوت دقة، وإيديه بتعرق جامد، وتوتر غريب بيطارده.
      
      "كنت مع مامتي، كانت محتاجة مساعدة في البيت" شرحتي، وبعدين قعدتي تلعبي في فستانك من تحت الترابيزة. حقيقة إن كل عيونهم، ماعدا الملكة، كانت عليكي، هزتك من جوه روحك.
      
      أيوه، لما أول مرة رجعتي خطوة لـ "كاتيجات". كنتي عاوزة اهتمامهم، كنتي عاوزة كل عاطفتهم وتركيزهم عليكي. بس، من ساعة ما سمعتي كلام إيفار. مقدرتيش تمنعي نفسك إنك تدركي حقيقة حركاتهم، والكلام الحلو، وصحبتهم.
      
      "وده خد أسبوعين؟" إيفار نكشك. هو كان عارف هو بيعمل إيه. كان بينبش ورا الصراحة اللي إنتي مكنتيش هتقوليها. عكس إخواته، هو كان عاوز أكتر من إنك تدفي سريره. هو أصلاً مكنش يقدر يبسطك. بس، هو كان عاوزك جنبه.
      
      "أيوه، وفي الوقت ده... أنا زرت العراف" أعلنتي. في الوقت اللي مامتهم بدت هادية، الإخوات اتوتروا فوراً. كانوا عاوزين يعرفوا هو قالك إيه، إيه اللي الآلهة خططته ليكي وليهم.
      
      "قالك إيه؟" فيتسيرك اتكلم، مكنش قادر يقعد ثابت في كرسيه وهو بيدرس كل ملمح فيكي.
      
      "دي حاجة أعرفها أنا، وإنتوا كلكم تصبروا عشانها... دلوقتي، أنا محتاجة أتكلم مع إيفار" قولتي، وإنتي بتلفي نظرك ناحية العاجز، اللي بابتسامته المتغطرسة اللي خلت الدنيا تحت رجليه. مفيش أي علامة فضول ولا شهوة، (عكس إخواته) كانت في عينيه، العيون اللي كانت هايجة زي العاصفة.
      
      وشهم كلهم وقع، في لحظة مابقوش قاعدين على حافة كراسيهم. هما هديوا... أو يعني، اتنين من الإخوات هديوا على الأقل. بس، سيجورد كان بيغلي من جواه، كأنه خد غضب أخوه الوحشي.
      
      "زي ما تحبي" ابتسم ابتسامة خبيثة قبل ما إنتي تقومي من مكانك من غير أي تكليف وتختفي بره القاعة الكبيرة. مرة تانية ولاد راجنار ملقوش كلام يوصفوا بيه أفعالك. كان فيكي... غموض معقد يتفهم بس يتنسي بسهولة. كنتي مختلفة عن أي حاجة قابلوها قبل كده، وهما كانوا مستمتعين بده.
      
      القمر. كان بيعكس نفسه بشكل مثالي على سطح المية. مراية بتلقط كل زاوية مظبوطة بس مكنتش قادرة تدي السما حقها. هو كان قاعد ساكت، مستنيكي، متوقعك تمشي ناحيته برشاقتك.
      
      وهو استنى، واستنى، واستنى لحد ما الشمس قعدت براحتها على الأفق. وقتها، إنتي ظهرتي. دي كانت لعبة، يمكن اختبار. ده اللي هو كان شاكك فيه. بس، إنتي ببساطة نمتي طول الليل. شوفي... باباكي كان متوقع يبعتك بعيد عشان تلفتي انتباه التلات ولاد بتوع الملكة. لإن، بالنسبة له، إيفار كان بالعافية راجل، ناهيك عن إنه يكون محارب. إزاي هيقدر يحميكي؟
      
      كان صعب عليكي تهربي بالليل. باباكي كان عنده فكرة مين اللي واخد قلبك. وهو مكنش حابب ده ولا شوية. عشان كده إنتي خمنتي إن إيفار هيبعد عن إنه يكون مبسوط لما توصلي متأخر أوي، مع شقشقة الفجر كمان.
      
      "لو عاوزة تسيبي انطباع كويس وعلى الأقل تنجحي في نقاش. أقترح تسيبي انطباع أول كويس" قال، وشفايفه اترفعت بابتسامة واحد عارف وهو شايفك قاعدة جنبه، ورجليكي مضمومة على صدرك.
      
      "بس ده مش أول لقاء لينا، مش كده؟ يا إيفار يا عديم العظم" هزرتي. وبعدين خدتي راحتك وسندتي راسك على كتفه. جسمه اتخشب بوضوح من اللمسة الخفيفة دي، بس إنتي تجاهلتي ده، زيه ما تجاهلك.
      
      "عاوزة تتكلمي في إيه بقى؟ العراف يمكن؟"،
      
      "يمكن، أو... يمكن أنا بس عاوزة اهتمامك كله عليا أنا" قولتي. حاجبه اترفع بسؤال. بس إنتي طنشتي.
      
      "وإنتي ليه هتعوزي عواطف واحد عاجز؟" سأل.
      الموضوع فاجئك بصراحة. أيوه، هو يمكن يكون عاجز. بس، إنتي عمرك ما شفتي شخص زيه قبل كده. زي ما كان بيتقال بين أسلوج وراجنار، هو سحرك من أول لحظة لمحتيه وهو بيتمرن.
      
      "مش فارق إنك عاجز. إنت إيفار، صديق طفولتي... حبي الأول" شرحتي بصوت واطي، يادوب أعلى من الهمس بس هو سمع برضه.
      
      "وإيه اللي هيحصل لما باباكي يعرف؟ همم؟ هيفتكر إيه؟" سأل، وأخيراً لف وشه ناحيتك. هو خد نفس حاد لما لقط ملامحك في نور القمر، إزاي موج المية كان بيترسم بهدوء على ملامحك.
      
      "ساعتها هنحارب لحد ما ينسوا إنك عاجج. لحد ما تتعرف كزوج، وكمحارب، وكمقاتل فايكينج".
      
      

      رواية سر الأميرة - الفصل الثاني

      سر الأميرة

      بقلم,

      تاريخية

      مجانا

      آمنة، خادمة بسيطة في قصر مملكة دهب، حياتها بتتغير فجأة بعد ما السلطان بيعلن عن مسابقة لاختيار عروسة لابنه الأمير جواد. بتقابل الأمير بالصدفة وبتعجب بيه، وصاحبتها داليا بتشجعها تشارك في المسابقة. وفي وسط كل ده، بتكتشف إن الأميرة أخت الأمير عيانة فبتقرر تساعدها في السر. ده بيخليها تحتك بالأمير جواد تاني في مواقف محرجة ومش متوقعة بتكشف طيبته.

      زاكسياس

      هو اللي بيعذب البنت من جواها، بيحط إيديه على هيكلها العظمي وعينيه الحمرا بتبلعها. .

      الأمير داريوس

      شاب صغير، بيصحى بعد ما فقد جزء من روحه، وعنده قوة غير متوقعة بتظهر فيه وبيسيطر عليه الغضب والألم. بيدور على البنت اللي فقدها.

      روهانا

      محاربة خالدة من مجموعة "الجينيفا"، عندها قوة التحكم في الوقت. بتعيش متخبية في جبل وبتحس بالضيق من الوضع ده، وعايزة تتدخل عشان تنقذ البنت اللي بتتعذب.
      صرخة القدر
      صورة الكاتب

        مملكة دهب آمنة
      
      كفوفي خلاص احمرّت من كتر ما بدعك في الأرض، لدرجة إني بدأت أشك إذا كانت الأرض دي معمولة من طين وبس، ولا يمكن شر "طاهرة" هو جزء من السبب اللي مخلي البقعة السودة اللي مغطية الأرض دي رافضة تروح. تنهيدة عالية وطويلة طلعت من بُقي. نفخت الهوا اللي كان متجمع في خدي، فخلّى خصلات شعري اللي كانت لازقة على وشي تطير.
      
      "تعبتي؟" سؤال داليا فوقني من سرحاني.
      
      رميت الليفة اللي معمولة من سعف النخل. كانت خلاص متغطية بالطين الأحمر المخلوط بالمية. قرف. "مش أوي... أنا بس متضايقة... البقعة السودة دي مش عايزة تطلع،" وشاورت على البقعة اللي كانت عاملة شكل حلزوني على الأرض الطين. "أنا حتى مش عارفة دي إيه." وبوزت.
      
      "آسفة يا آمنة..." داليا سابت الملاية اللي كانت هتفردها على المرتبة القطن ومشت بخطوات خفيفة ناحيتي، "معلش يا آمنة، شكلك تعبانة أوي..." لفت دراعها حوالين رقبتي، "إيه رأيك أساعدك شوية عشان ترتاحي؟"
      
      عيني وسعت أوي لما سمعت كلمة "راحة"—الكلمة اللي عمري ما بسمعها. مع إن العرض ده مش شبه داليا خالص، بس أنا هقبله من كل قلبي. "أه يا ريت، رجلي خلاص نملت... أنا مهدودة."
      
      بصيت في عينين داليا لأنها أطول مني شوية. كانت بتعض على شفتها اللي تحت جامد. لسه هفتح بقي عشان أسألها لو عرضها لسه موجود، فجأة لقيتها انفجرت في الضحك. كنت عارفة إن وراها مصيبة.
      
      "شكلك كان..." وضحكت موجة تانية، "شكلك كان تحفة يا آمنة." قالتها أخيرًا وهي بتاخد نفسها.
      
      فضلت بصالها، من غير ما أبين أي تعابير على وشي.
      
      "آمنة... آمنة،" شدت القميص البني الواسع اللي أنا لابساه ومتخيط بالإيد، "آمنة—"
      
      آخر مرة قالت فيها اسمي، خلتني مقدرتش أمسك الضحكة اللي كنت حبساها جوايا. بصيت لداليا، لقيت على وشها نظرة قلق. "تستاهلي، عشان تبقي تعرضي عليا عرض على الفاضي." وطلعت لها لساني.
      
      "كده بقينا خالصين." وقلبت عينيها. نزلت قعدت على ركبها جنبي. وبصباعها السبابة لمست البقعة السودة بالراحة. قربت صباعها—اللي كان على البقعة من ثواني—من مناخيرها. غمضت عينيها وهي بتشمه. كرمشت مناخيرها كذا مرة، وفتحت عينيها فجأة وقالت "دي حنة..." وبصتلي "عشان كده أنتي بتعاني في تنضيفها من الصبح. خليني أجيبلك حاجة تبطل مفعول البقعة."
      
      داليا راحت ناحية الدولاب الخشب اللي جنب سرير طاهرة. العفش في كل أوضة في القصر مصنوع من خامات فخمة وغالية. السراير والدواليب ومقابض البيبان عليهم دهب—دهب حقيقي—ملزوق عليهم. الواحد ممكن يعمل ثروة لو باعه، بس محدش هيخاطر ويخلي إيده تتقطع. داليا بصت في الدرج التالت، وطلعت حاجة شبه إزازة.
      
      "إيه ده؟" شاورت على الإزازة الشفافة اللي ماسكاها. السايل البني اللي جواها كان مغطي كل حتة في الإزازة وهي بتقرب مني، فتحت الغطا بالراحة قبل ما ترش شوية من اللي جواها على البقعة السودة.
      
      "ده هيبطل مفعول البقعة،" وقفلت الغطا تاني، "جربي ادعكيها دلوقتي." ورجعت داليا ناحية الدولاب.
      
      "أنتي عبقرية يا داليا." ابتسمت. مجرد دعكتين والبقعة اختفت تمامًا. مش مصدقة إني كنت بعاني مع البقعة دي كل ده والحل كان سهل أوي.
      
      "عارفة... عارفة... يلا نخلص بسرعة قبل ما طاهرة ترجع." داليا كملت فرد الملاية الشفافة على السرير.
      
      "ماشي." وبدأت أنشف الماية المتجمعة على الأرض بالقماشة السودة. وكأننا بنجيب في سيرتها، مافيش 30 ثانية عدوا على تحذير داليا من طاهرة، وسمعنا صوتها.
      
      "...وسعوا من طريقي، ابعدوا." صوت طاهرة بيزعق من بعيد. أكيد بتهزأ العيال الغلابة اللي بيلعبوا جنب أوضتها تاني. وبما إنها مكانش عندها اختيار غير إنها تقبل إن أوضتها تبقى جنب سكن الخدم، فهي بتطلع كل غلها فينا—الخدم وشوية من عيالنا، مع إني معنديش عيال.
      
      طاهرة بنت محمود: البنت الكبيرة لقائد جيش الدهب. جوازها من ولي عهد مملكة دهب—زيد بن طارق الهاشم—معملش حاجة غير إنه زود غرورها اللي مالوش حدود.
      
      "مش مصدقة إنكم لسه مخلصتوش لحد دلوقتي،" طاهرة هبّت فينا. رفعت كتافها لفوق، وعملت صوت "همم" عالي قبل ما تربع إيديها على صدرها. "كنتوا بتعملوا إيه كل ده؟" وشاورت بصباعها مرة عليا ومرة على داليا.
      
      "آسفين يا أميرة، إحنا خلاص كنا ماشيين." داليا وطت راسها شوية قدام طاهرة قبل ما تجري تطلع من الأوضة. فهمت إن دي إشارة عشان أمشي أنا كمان، بس أنا مش هعتذر لطاهرة. إحنا معملناش حاجة غلط غير إننا بنخدمها بضمير. هي تقريبًا في نفس سننا أنا وداليا، ومجرد إنها مولودة وفي بقها معلقة دهب مش معناه إنها تقدر تبصلنا من فوق.
      
      بسرعة لميت الطبق الحديد والقماشة القطن اللي كنت بنشف بيهم الأرض في حضني. وطيت راسي شوية—وردت عليا بصوت متضايق—قبل ما أخرج من الأوضة.
      
      "وعليكم السلام، أنا بخير الحمد لله." ده السلام رقم 15 اللي رديت عليه، ولسه موصلتش لمدخل القصر. رجلي بتوجعني خلاص. القصر واسع وفيه مباني عالية كتير معمولة من الطوب المحروق، والسقف اللي من القش مترتب طبقات فوق بعضها عشان يعمل شكل قبة، والبيبان الخشب ليها مقابض من الدهب.
      
      فيه 4 بوابات مختلفة بتودي على الأربع أجنحة—الجناح الغربي، والشرقي، والشمالي، والجنوبي. فيه حصون، وأجنحة صغيرة، وجناين فيها نوافير. وفيه كمان جامع ضخم متصمم بطريقة معمارية تحفة.
      
      
      
      
      
      
      بدأت أصدق الإشاعات اللي بتتقال إن قصر الدهب خد 200 سنة عشان يتبني. العظمة المعمارية دي بتفسر كل حاجة. لفيت العباية اللي كانت محطوطة على كتفي حوالين جسمي كويس، لأني عارفة إن الجو هيبرد أكتر قبل ما أوصل البيت. إحنا—الخدم—بيكون لينا يوم أجازة في الأسبوع—يعني مش بنبات في سكن الخدم في اليوم ده. ويوم السبت—النهاردة—هو يوم أجازتي. دخلت شعري بالعافية تاني تحت الحجاب اللي على راسي. نعومة شعري بتخليه يهرب من الحجاب بسهولة، خصوصًا في الأيام اللي فيها هوا زي النهاردة. جريت بسرعة بره حدود القصر، بصيت عند المدخل أدور على داليا، بس ملمحتهاش. الدنيا بدأت تضلم. لازم أرجع البيت قبل الليل ما يدخل. يمكن لو كنت لبست عبايتين كان هيبقى أحسن، لإن الجو بره القصر تلج.
      
      المناطق الصحراوية بتميل إنها تبقى تلج لما الليل يقرب. حضنت نفسي جامد، ومشيت خطوتين بالراحة، بس وقفت فجأة لما سحابة تراب هاجت من الأرض الرملية كأنها بترد على حركة عنيفة. التراب اللي اتجمع ده حجب الرؤية عني، فكان لازم أستنى لحد ما يهدى عشان أقدر أكمل طريقي. حاولت أركز على الصوت اللي جاي من ورا سحابة التراب. "طق... طق..." ده اللي سمعته. صوت عامل زي دقات حوافر حصان على الأرض. الصوت بقى أوضح كل ما التراب زاد. وطيت جفوني شوية عشان ألمح الشخص اللي بيقرب. حصان أسود اخترق التراب من بعيد، ورغم إني مش شايفة كويس، قدرت أميز إنه حصان أسود وعليه الفارس بتاعه.
      
      التراب أخيرًا هدي خالص. الفارس نزل من على الحصان بخفة، كان لابس برنس بغطا راس. وأنا—بطبيعتي الفضولية—كنت عايزة ألمح شكل الفارس المجهول ده، بس كل اللي شفته كان ضهره—ضهره العريض جدًا. استخدم إيده العريضة عشان ينزل غطا الراس، فبان شعره الأسود الفاحم الملفوف. عيني كانت لسه مركزة ورا راسه لما فجأة لف ناحيتي، وفاجأني. وطيت راسي بسرعة، بس ملامح وشه اللي عيني لحقتها في الثلاث ثواني القليلة دي هتفضل متسجلة في دماغي. مش مصدقة إني لسه شايفة الأمير جواد، وهو فعلًا زي ما بيتوصف بالظبط. عينيه البني، ومناخيره وبُقه اللي كأنهم مرسومين، ودقنه السودا التقيلة على خدوده ودقنه—وسيم. أنا عمري ما حطيت عيني عليه طول الخمس سنين اللي اشتغلتهم في القصر. الإشاعات كانت بتقول إنه كان في رحلة حج السنة دي. "السلام عليكم،" افتكرت الأصول. رفعت راسي بالراحة لما مسمعتش منه رد. عينيه فضلت على عيني لأجزاء من الثانية. "وعليكم السلام." رد. ربط الحبل اللي في رقبة حصانه في النخلة اللي قدام القصر. بصلي بصة أخيرة. فضلت متابعة ضهره وهو بيختفي جوه القصر. يا ترى الإشاعات اللي بتقول إنه معندوش أي خدوش حقيقية هي كمان؟ لازم داليا تسمع عن اللي حصلي النهاردة. "بطلي تسرحي فيه يا آمنة." خبطت على جبهتي، ورجعت أكمل طريقي اللي وقفت فيه.
      
      البلد بدأت تفضى وأنا ماشية ناحية بيت جدتي. محدش عايز الليل يدخل عليه وهو لسه بره في محيط الدهب. الدهب معروفة بلياليها السقعة والضلمة الكحل. الليالي بتبقى ضلمة لدرجة إنك ممكن متشوفش طريقك. اتنهدت لما لمحت من بعيد بيت الطين المعووج اللي سقفه من القش—بيت جدتي. عيني نزلت لوحدها على رجلي، الجزمة الجلد الطرية اللي لابساها خلاص قربت تتقطع، وأنا مش عايزة أمشي حافية حتى لو البيت بقى قريب. فكرة إن عقربة سودة تلدع رجلي الرقيقة خلتني أصرخ من الخوف. إني أبطأ خطواتي ممكن يكون هو الحل الوحيد دلوقتي.
      
      حسيت بدراع ضخم بيلف حوالين رقبتي من ورا. الدراع ضغط جامد، وخنقني. قعدت أقرص وأضرب في الدراع، بس صاحبه ولا بيتحرك. "شيل... إيدك... من... عليا." خدت كل القوة اللي باقية في جسمي عشان أطلع الخمس كلمات دول من زوري. الخنقة اللي حوالين رقبتي بدأت تفك بالراحة. ولما الدراع اختفى أخيرًا، غمضت عيني جامد وقعدت أدلك الوجع الحاد اللي حسيته في زوري. لفيت راسي بغضب للشخص اللي ورايا، ومتفاجئتش لما شفت الراجل الضخم اللي دقنه خفيفة على خده، وحواجبه مرسومة ووشه مثالي، بس روحه مش مثالية—أيمن بن عبد الرحمن. حسيت بقرف ومرارة طلعت لحد زوري، لما عرفت إنه لمسني، وهو مش من محارمي.
      
      "إزاي تتجرأ،" زعقت بغضب. ساعات بتمنى لو كان صوتي تخين، عشان لما أزعق يبقى مخيف على الأقل. "يا شرسة... أنتي زي ما بحب الست بتاعتي بالظبط،" قالها من غير أي ندم. "عارف إيه..." وطيت صوتي "أنت بني آدم حقير... اتقِ الله يا أيمن." "بيعجبني لما بتقولي اسمي يا حبيبتي. ممكن تقوليه تاني." وكان على وشه نظرة غرور. جزيت على سناني بغضب. أنا عارفة إن ده هدفه—إنه يتكلم معايا ويستفزني ويعصبني. وأنا مش هديله الفرصة دي. برجلي رفعت سحابة تراب لفوق، وهبقى أكتر من مبسوطة لو دخلت في عينيه. هو أكيد متوقعش الحركة دي، بس يستاهل. لما شفته بيكح ومش قادر ياخد نفسه، لفيت وجريت ناحية البيت. كنت ممكن أخسر جزمتي الجلد الوحيدة اللي جبتها من سوق المستعمل بسبب الواد الغني المدلع ده. ربنا يسامحه.
      
      
      
      
      
      
      
      آمنة
      
      "يلا... يلا بينا... بسرعة." حماس داليا كان واضح في نبرة صوتها وهي بتجرني من دراعي. كل الخدم سابوا شغلهم وراحوا عند مدخل القصر. ضحكهم وصوتهم السعيد ملى وداني وهم بيزقوني من الناحيتين. شكل أنا الوحيدة اللي كنت مش مهتمة هنا.
      
      صوت رنة الجرس بقى أعلى والناس بتجري لبره أكتر. مش كل يوم المنادي بتاع البلد بيبقى عنده حاجة يقولها. أي وقت بيوصل فيه خبر عن طريق منادي المملكة، بيكون دايمًا خبر كبير جدًا.
      
      "آمنة اتحركي أسرع، وإلا مش هنلاقي مكان كويس نقف فيه." داليا بصتلي بصة خلت رجلي تمشي ورا كلامها غصب عني. مسكتني من دراعي وإحنا بنكمل زق وسط زحمة الناس اللي رايحين برضه ناحية المدخل.
      
      الحمد لله، الحمد لله. البوابة الواسعة اللي بتطلع بره القصر بانت قدامي. أخيرًا هعرف أتنفس براحتي. لقينا مكان في وش كل الناس لإن داليا تقريبًا شدتني من المطبخ أول ما سمعت أول رنة للجرس.
      
      المنادي اللي كان لابس جلباب أسود وعمة بيضا على راسه فضل يرن الجرس المعدني الأسود اللي في إيده اليمين. فضل يرن لحد ما اتأكد إن كل الناس وقفت وهديت. الزحمة سكتت وإحنا كلنا مستنيين الخبر الكبير اللي معاه المرة دي. كام واحد مش من خدام القصر، بس ساكنين قريب منه، انضموا للزحمة. المنادي بيلف على كل حتة في المملكة، بس القصر دايمًا هو الأول.
      
      "ركزي يا آمنة... هيتكلم أهو." داليا همست في ودني، بتفوقني من سرحاني. وجهت نظري للمنادي بالظبط.
      
      "السلام عليكم،" المنادي قال بصوته العالي. أعتقد إن الصوت العالي ده شرط عشان الواحد يتم اختياره كمنادي للبلد لإن كل المنادين اللي شفتهم صوتهم عالي، أو يمكن ده جين في سلالتهم بما إنهم كلهم بيتم اختيارهم من نفس العيلة.
      
      الزحمة كلها ردت السلام، وبعدين سكتوا تاني، بس كان لسه فيه ناس بتهامس. برقت لمجموعة البنات اللي كانوا واقفين جنبي، اللي كانوا بيتساسروا ويضحكوا جنب وداني؛ سكتوا في ساعتها أول ما شافوا بَرَقتي الغضبانة. عجبني كده. عضيت على شفايفي عشان أخبي ابتسامتي.
      
      "عندي رسالة من السلطان." صوت المنادي أثر في الكل؛ لدرجة إني مبقتش سامعة صوت زقزقة العصافير. حط جرسه الكبير على الأرض، وبعدين حط إيده في جيبه. شكله بيدور على حاجة. بعد ما فتش في جيبه حوالي 30 ثانية، طلع ورقة بنية متطبقة.
      
      نظرات الناس راحت للورقة، وبعدين رجعت لوشه. أنا لسه ملاحظة حاجة، الزحمة فيها ستات أكتر من الرجالة. مش غريبة، الستات بيعيشوا عشان الأخبار. كتمت ضحكتي، وده خلى داليا تبصلي بصة "أنتي مجنونة؟". بصتلها بصة اعتذار وبعدين رجعت بصيت على المنادي اللي كان خلاص فرد الورقة اللي في إيده.
      
      "أتمنى تكونوا كلكم بخير،" المنادي بدأ يقرا. "زي ما كلكم عارفين، ابني 'جواد' لسه لم يعقد قرانه،" بصينا لبعض أنا وداليا بصة فيها فهم لما سمعنا الجملة دي. "أنا بدعو كل الآنسات الجميلات في المملكة دي إنهم يتقدموا، عشان يشاركوا في اختيار العروسة اللي هيتم عند رؤية هلال الشهر الجديد. عايزكم كلكم تبذلوا أقصى جهد، والأفضل من بين الأفضل هي اللي هتفوز. ربنا يبارك فيكم كلكم، ويجعل الحدث ده سلمي."
      
      المنادي رفع وشه عشان يبص على الزحمة كلها، وبعدين كمل، "من سلطانكم." طبّق الورقة وحطها تاني في جيبه. "بس كده، مع السلامة." قالها وبعدين بدأ يمشي وهو بيرن جرسه.
      
      همهمة عالية وضحكات مكتومة من الستات انفجرت. أنا افترضت إنهم بدأوا يتمرنوا للمسابقة.
      
      "هتشاركي؟" داليا سألتني وإحنا راجعين للمطبخ، مطرح ما كنا بنعجن عجينة العيش قبل ما الدوشة دي تحصل. أنا فعلًا مكنتش فكرت في الموضوع، هو أنا هشارك؟
      
      "لسه مش متأكدة، وإنتي، هتشاركي؟ شكلك مش متحمسة أوي." قلتلها ملاحظتي.
      
      "اممم..." هزت كتفها، "أنا مش هشارك."
      
      "بجد؟ ليه؟" سألتها بترقب. أنا مستغربة لأني عارفة إن داليا أكبر معجبة بالأمير—ملحوظة؛ مش مسموح لنا نقول أسماء أفراد العيلة المالكة.
      
      "أنا معجبة بالأمير، وبقدر شجاعته وقوته، بس مش شايفة نفسي متجوزاه. وفوق كل ده، مش عايزة أنافس كل بنات المملكة،" ضحكت. "ده جنون؛ أنا أصلًا معنديش فرصة." داليا مسكت إيدي وهي بتبص في عيني مباشرة. "بس أنا واثقة فيكي يا آمنة..." وضغطت على إيدي أكتر، "واثقة إنك هتكسبي إن شاء الله، أنتي جميلة، وذكية، وعاقلة... أنتي تقدري تعمليها... ورغم إني عمري ما شفته بس من الوصف بتاعه... أنتوا شكلكم لايقين على بعض أوي."
      
      "أنا... شفته،" قلت بتردد. وشي احمر لما افتكرت شكل وشه يومها. اتأكدت إني خزنت وطبعت صورته في أعماق عقلي.
      
      خبطة داليا الجامدة على دراعي رجعتني للواقع. "آه... ده كان ليه؟" قعدت أدعك الوجع اللي لسعني في دراعي من الجنب.
      
      "ده..." شاورت على دراعي، وحواجبها اترفعت ووشها كشر. "ده عشان تخبي معلومة ضخمة زي دي على نفسك."
      
      "كنت عايزة أقولك، بس راحت من بالي." بصراحة، كنت عايزة أبلغ داليا الخبر أول ما شفته، بس حاجة ورا حاجة عطلتني. زي من شوية، كنت لسه هفرح ودانها بالخبر السعيد ده لما دوشة المنادي بدأت.
      
      "دلوقتي هس..." حطت صباعها السبابة على شفايفها الوردية المليانة. "شكله إيه... هو زي ما بيوصفوه؟" همست في ودني. الحمرة اللي قدرت أسيطر عليها رجعت تاني لوشي. أنا عارفة إن وشي كله بقى أحمر دلوقتي، خدودي بتوجعني، ومحرج جدًا إن داليا شايفة جسمي بيتفاعل معاه إزاي.
      
      "آآآم... آآآم... هو زي ما بيتوصف... وأحسن كمان،" همست في ودنها. بقها عمل شكل دايرة.
      
      "وشك بيقول كل حاجة... أنتي كلها حمرة." مشت بصباعها الإبهام على حدود خدي. خبطت إيدها بعيد.
      
      "اسكتي... أنا مش محمرة،" رديت عليها، رغم إني عارفة إنها بتقول الحقيقة.
      
      "لأ محمرة... وعشان كده لازم تشاركي... إلا لو كان قلبك مش عايز يمشي مع اللي جسمك عايزه." ورفعت حاجبها بحركة.
      
      "اسكتي." فضلنا نناكف في بعض وإحنا ماشيين للمطبخ.
      
      حطيت العجينة في الفرن السخن وقفلت الباب الحديد. غسلت الأطباق، وداليا كنست الأرض وإحنا مستنيين العيش يستوي. قريت كام آية من القرآن وأنا لسه بغسل. داليا خرجت من الباب اللي بيطلع من المطبخ. كنت لسه هشوف داليا خرجت تعمل إيه لما سمعت صوت خبطة عالية ورايا، وبعدها رنة الحلل والأدوات على الأرض.
      
      
      
      
      
      
      وشي وجسمي كله لفوا ناحية الصوت. فستان بينك غالي مترترز مرمي على الأرض، بس لحظة، ده مش مجرد فستان—ده فيه حد تحته. جريت بسرعة ناحية الشخص ده، البرقع الشبك بتاعها كان مغطي وشها. كانت بتعافر عشان تشيل البرقع من على وشها، فدخلت عشان أساعدها. شلت البرقع من على وشها، فبانت هي مين. متوقعتش أبدًا إني أشوف الأميرة مرمية على أرض المطبخ.
      
      "يا أميرة! أنتي كويسة؟" مديت لها إيدي، وهي مسكتها. شديتها وقومتها. نفضت إيديها وجسمها، وبعدين بصتلي.
      
      "أنا كويسة... كنت بس عايزة أجيب مية،" قالتها، بس كان فيه حاجة مش مظبوطة في وشها الجميل. مكانش منور زي عادته. عينيها البني كانت مطفية وشعرها الطويل اللي دايمًا متسرح كان متبهدل على جسمها كله.
      
      "شكلك مش كويس يا أميرة. متأكدة إنك بخير؟" مش من مقامي إني أستجوب حد من العيلة المالكة، بس شكلي معنديش اختيار. لازم أتأكد إنها كويسة، ده جزء من واجبي كخادمة. من اللي سمعته، الأميرة لطيفة وهادية، عكس طاهرة.
      
      "جاتلي شوية سخونية، بس هتبقى كويسة. مش حاجة كبيرة،" كانت بتعافر عشان تخلي عينيها مفتوحة وهي بتتكلم. قربت ضهر إيدي من جلدها. هي موقفيتنيش، فكملت. سحبت إيدي بسرعة من على رقبتها لما حسيت قد إيه هي سخنة.
      
      "أنتي مولعة يا أميرة،" شبه زعقت. "لازم تشوفي حكيم."
      
      "ده اللي أنا مش عايزاه... مش عايزة حكيم... مش عايزة أي حد يعرف،" قالتها بنبرة حاسمة. وأنا أعقل من إني أعصي رغبتها. فكرت إيه اللي ممكن أعمله عشان أساعدها لما جت فكرة في بالي.
      
      "طيب يا أميرة، من فضلك اسمحيلي أحضرلك دوا. أوعدك هيجيب نتيجة إن شاء الله. كل اللي عليكي تديني إذنك،" قلت بحذر، عشان معصبهاش. أنا عارفة كويس إن الواحد لازم يبقى حريص مع العيلة المالكة.
      
      بصتلي لوقت طويل، وده كان مخيف. شكلها بيبقى مخيف لما بتبص... كده. "ماشي،" قالتها بعد مدة طويلة أوي. "هاتيه أوضتي لما تخلصي، واتأكدي إن محدش يعرف حاجة عن الموضوع ده و..." بصتلي تاني، استنيت أسمعها تكمل الجملة، "متقلقيش... بس هاتيه أوضتي،" قالتها. وطيت راسي، وبعدين هي مشيت.
      
      كنت خلصت عمل دوا الشاي الأخضر لما داليا دخلت المطبخ. صبيت الدوا في الإبريق النحاس. "كنتي فين؟" سألت داليا، ونظري كله كان على الدوا اللي بصبه من الحلة للإبريق.
      
      "أنا كنت—" كانت لسه هتقول حاجة، بس قطعتها. "ده مش مهم دلوقتي... من فضلك شوفي العيش، أنا لازم أودي ده للأميرة." شلت صينية نحاس من درج من الأدراج. حطيت الإبريق والكوباية على الصينية. "هرجع حالًا." ابتسمت لداليا. شلت الصينية بإيديا الاتنين، وبعدين سبت المطبخ.
      
      أنا مش عارفة أوضة الأميرة أوي لأني مش من الخادمات بتوعها. أنا خادمة طاهرة. شفت ممر بيودي لأوضة. أكيد هي دي. مسكت الصينية جامد، وبعدين دخلت الممر.
      
      حسيت بحاجة غلط لما وصلت الممر. حارسين واقفين ثابتين على كل جنب من الممر. "الأميرة طلبت مني أجيبلها ده." رفعت الصينية لفوق، عشان يشوفوا اللي أنا ماسكاه كويس. بصوا لبعض، وتبادلوا نظرات مفهمتهاش. شاورولي بإيديهم إني أدخل. شكرتهم وبعدين كملت.
      
      خبطت على الباب، بس مجاش رد. جربت تاني تلات مرات بس برضه مفيش رد. أكيد نايمة. زقيت الباب فتحته، فبانت الأوضة. مكنتش أعرف إن الأميرة غيرت ديكور أوضتها. شكلها بقى أغمق دلوقتي، أنا جيت هنا مرة أو مرتين، بس الديكور كان أفتح من كده. "يا أميرة،" ناديت، بس باقي الكلام مات في زوري لما شفت جواد قدامي. عيني وسعت، والصينية كانت هتقع لو مكنتش ماسكاها جامد.
      
      "بتعملي إيه هنا؟" قولناها إحنا الاتنين في نفس الوقت، بس صوته طغى على صوتي لإن صوتي، يعني، واطي. "أنا جيت أشوف الأميرة... أنت بتعمل إيه هنا؟" سألت. شكله كان لسه طالع من الحمام. كان لابس جلباب أبيض، وقطرات مية صغيرة كانت على وشه وشعره الأسود كان لازق على جبهته.
      
      "دي أوضتي،" قالها، وساعتها فهمت. أنا اتلغبطت بين أوضته وأوضة الأميرة. يا إلهي، أنا غبية أوي. "وإنتي رايحة تشوفي الأميرة وماسكة ده ليه؟" شاور على الصينية اللي ماسكاها. "هي عيانة، وأنا عملتلها دوا." خلصت جملتي قبل ما أستوعب أنا قلت إيه. مالك يا آمنة؟ شفت تعابير وشه الجامدة وهي بتتحول لقلق. "الأميرة عيانة، وأنا معرفش. لازم أروح أطمن عليها." بدأ يتحرك ناحية الباب، بس أنا وقفته وسديت الباب. "متشوفهاش،" رفع حواجبه. "من فضلك متشوفهاش. هي خلتني أوعدها إني مقولش لحد." "محدش بيقول لأمير يعمل إيه،" قالها، بس بطل يحاول يعدي من الباب. ده كويس. "عشان كده أنا ضفت 'من فضلك'،" دمدمت بصوت واطي محدش يسمعه لأني مش عايزة أقضي باقي حياتي في زنزانة من زنازين القصر الضلمة اللي في البدروم. "قولتي إيه؟" "ولاحاجة..." ابتسمت بتوتر. "قلت إني همشي دلوقتي." لفيت ناحية الباب. "استني،" قالها، بس أنا ملفتش. أنا أصلًا متوترة دلوقتي، ومش قادرة أسيطر على دقات قلبي السريعة، ومش عايزة أزودها إني أبص في وشه تاني. "خدي بالك كويس من الأميرة." قلبي داب لما سمعت كمية المشاعر اللي في صوته. أكيد بيحب الأميرة أوي. هزيت راسي، بس مش متأكدة هو شاف ده ولا لأ، وبعدين سبت الأوضة.
      
      دلوقتي بعد ما عرفت أوضة جواد، مبقاش صعب ألاقي طريقي لأوضة الأميرة. أنا لسه مش مصدقة إني كنت بتكلم مع الأمير—جواد العظيم. كأن رؤيته اليومين اللي فاتوا مش كفاية. ليه بيحصل بيني وبينه احتكاك، وليه أنا بتصرف بالطريقة دي؟ "ادخلي" الأميرة قالت بصوتها الرقيق لما خبطت على الباب. زقيت الباب والأوضة بانت قدامي. أيوة، هي دي الأوضة اللي أعرفها، مش التانية. يا رب!
      
      الأميرة قعدت وبعدين حطت رجلها على الأرض لما شافتني. "اتأخرتي كده ليه؟ أنا مستنياكي." "آسفة أنا..." أنا إيه؟ مقدرش أقولها إني كنت في أوضة الأمير. ده هيبقى شكله إيه. بصتلي بترقب لما بقي فضل مفتوح، بس أنا مش بتكلم. "أنا..." فكرت في حاجة تانية أقولها. "أنا عملت دوا تاني لإن الأولاني اتدلق." أنا بكره الكدب، أستغفر الله.
      
      "طيب، هاتيه." وديت الصينية عند الكومودينو اللي جنب سريرها، وبعدين صبيت كمية صغيرة في الكوباية. اديتهولها، بس هي زقته تاني ناحيتي. "اشربي منه شوية الأول." وجعتني شوية لما عرفت إنها مش واثقة فيا، بس هي دي طريقة عيشة العيلة المالكة. مش بيثقوا في حد. أنا مش متوقعة إنها تثق فيا—أنا حتى مش الخادمة بتاعتها.
      
      شربت أكتر من شوية. شربت بوقين عشان أوريلها إني محطتش أي سم في مشروبها. لما شافت تصرفي، شاورتلي إني أديلها الكوباية. وشها كشر وهي بتشرب منه. "مر... مر أوي." "هو... بس مفعوله كويس،" شجعتها. فضّت كل اللي في الكوباية، وبعدين رقدت تاني على سريرها. ظبطت الغطا عليها كويس. بصتلي بحاجة في عينيها مقدرتش أفسرها. "شكرًا." قالتها. "العفو." شلت الصينية في إيدي، "هعدي أطمن عليكي لما أخلص شغلي." هزت راسها، وبعدين سبت الأوضة.
      
      إيه رأيكم في الفصل ده؟ ماتنسوش تسيبوا تعليقاتكم وتصوتوا.
        
      جاري تحميل الفصل...
      جاري تحميل قائمة الفصول...

      Pages