رواية كاهنة القمر

كاهنة القمر

بقلم,

فانتازيا

مجانا

كاهنة القمر في مملكة تانغ. حياتها عبارة عن سجن جوه القصر، ممنوعة تشوف الدنيا ومجرد أداة للإمبراطور. هي مؤمنة إن مصيرها محتوم ومفيش منه هروب. فجأة، بيدخل أوضتها ولد غامض اسمه "روي" وبيكسر كل القواعد. مقابلته ليها بتخليها تشك في كل حاجة وتتمنى لأول مرة إنها مكنتش كاهنة. بس ده مش موضوعنا يعني. أنا قريت كتب كتير أوي مليانة تراب عن الكاهنات ومصيرهم لدرجة إني زهقت من السيرة دي. مهما البنات حاولوا، مش بيقدروا يغيروا مصيرهم. أصلاً هيغيروه إزاي؟ هما و

لي شيانغ

قضت عمرها كله محبوسة في القصر كـ "كاهنة القمر". حياتها متراقبة ومتحكم فيها بالكامل، ومؤمنة إن مصيرها مش ممكن يتغير. هادية ورسمية، لكن جواها فضول كبير ناحية العالم اللي بره.

روي

بيشتغل "مرسال" أو "صبي مشاوير" في القصر. هو أول واحد يكسر القواعد ويدخل أوضتها، وبيتعامل معاها كإنسانة عادية مش مجرد رمز مقدس، وبيسألها عن اسمها وحياتها. بيمثل التمرد والحرية.
رواية كاهنة القمر
صورة الكاتب

تقريبًا كل الممالك في الشرق، من مملكة تانغ اللي أنا بخدمها، لحد مملكة هيان، ومملكة غوريو، عندهم حاجة اسمها "كاهنة القمر". أحيانًا بيبقى ليهم أسامي تانية، زي "ابنة القمر"، أو "طفلة القمر"، أو "رسولة القمر"، بس لما ترجع لكتب التاريخ وتقرا عنهم، هتلاقي إنهم كلهم بيعيشوا حيوات شبه بعض أوي، ومقيدين بالأربع قواعد اللي بتربطهم ببعض.

بس ده مش موضوعنا يعني. أنا قريت كتب كتير أوي مليانة تراب عن الكاهنات ومصيرهم لدرجة إني زهقت من السيرة دي. مهما البنات حاولوا، مش بيقدروا يغيروا مصيرهم. أصلاً هيغيروه إزاي؟ هما ولا حاجة غير مجرد أدوات في إيد الأباطرة بيستخدموهم عشان خاطر المملكة.

لو أي واحدة فيهم فكرت حتى تهرب، كانوا هيلاقوها ويرجعوها عشان تعيش حياة عليها قيود أكتر وحراسة مشددة. ومفيش أي حاجة هتتغير في النظام ده، مع إن موضوع العثور عليهم ده هيبقى مزعج شوية. ده اللي كانوا دايمًا بيفهموهولنا وإحنا صغيرين: لو حاولنا في يوم نهرب من حياتنا ككاهنات، كل اللي هيحصل إننا هنعرف قد إيه الحرية اللي كانت معانا مكنّاش مقدرين قيمتها.

أنا فاكرة لما كان عندي أربع سنين، كنت فاكرة إن حياة كل الناس عبارة عن أوضة واحدة كبيرة في القصر، ومعاهم معلمين، ومستشارين، وناس عجوزة بيقولولي أي حاجة ممكن تساعد مستقبلي. علموني كل المعلومات اللي يعرفوها، عن الماضي، وعن الحرب والتحالفات، وعن الجوازات السياسية والمحظيات الغيورات، وعن الورثة اللي بينافسوا بعض، وأنا اتكلفت بمهمة إني أخلي كل حاجة تحت السيطرة.

كنت هعرف منين إن العيال الطبيعية اللي عندهم أربع سنين كانوا بيلعبوا بره، تحت السما الزرقا، بيطيروا طيارات ورق وبياكلوا توت متغطي بالسكر؟ مش بيبصوا للنجوم طول الليل ومجلس الإمبراطور كله متجمع حواليا.

يا ريتني كنت أعرف. لأ، يا ريتني كنت عيشت حياة زي دي.

فجأة، الباب خبط. أنا تقريبًا اتنفضت من الصوت—ده لسه مش معاد العشا، يبقى أكيد ده مرسال. اتنهدت وقفلت كتاب الخط بتاعي بسرعة قبل ما أسأل:
"في إيه؟"

"الليلة جلالته والمجلس بتاعه هييجوا. من فضلك جهزي التحضيرات."

"شكرًا على الرسالة." فتحت كتاب الخط بتاعي تاني ومسكت الريشة. بعدين بصيت بره الباب تاني. حسيت كأني مسمعتش صوت المرسال وهو بيمشي.
"محتاج أي حاجة تانية؟"

كان فيه سكوت من ناحيته. ده كان غريب، عادةً المراسلين—لأ، الحقيقة كل الناس—بيمشوا أول ما يخلصوا شغلهم، سواء كانوا بيوصلوا رسالة أو بيجيبولي العشا بتاعي.

"أيوه،" الصوت رد. "كنت بتساءل، يا كاهنة، ممكن أدخل الأوضة؟"

كشرت. دي مكنتش أول مرة حد من عامة الشعب يتجرأ ويتحدى قواعد مملكة تانغ ويعصي أوامر جلالته. أحيانًا كان بيجي راجل يسألني عن حظه في المعركة الجاية، ودول كانوا الجبنا اللي، على حسب ردي، بيهربوا من المعركة الجاية لو عرفوا إنهم هيموتوا، أو يروحوا بس لو معاركهم كانت مبشرة.

ومرات تانية، كان بيبقى خادم غلبان جاي يترجاني أقوله إذا كانت بنته العيانة أو حبيبه المريض خلاص قرب يموت ولا لأ. أنا دايمًا كنت بقولهم الحقيقة، مكنتش أعرف ده كان بدافع الشفقة ولا بدافع المسؤولية. كانوا بيشكروني لو الخبر كويس، وبيحاولوا يغيروا المستقبل اللي أنا شوفته لو كان وحش.

أنا عمري ما كدبت وقلتلهم إن المصير مابيتغيرش.
لو كان بيتغير، مكنتش هبقى هنا.

لفيت تاني ناحية الباب وقلت اللي دايمًا بقوله:
"أنت مين؟ المفروض تكون عارف إن أوضة الكاهنة مُقدسة ومحدش بيدخلها غير اللي الإمبراطور مديله الإذن." نبرة صوتي كانت حادة كفاية تخوّف أي حد خايف على حياته، بس أحيانًا كان فيه ناس يائسة لدرجة إنهم مكنش بيفرق معاهم عاشوا ولا ماتوا.

"عادي،" الصوت رد، وكان باين كأنه بيضحك، أو ماسك نفسه من الضحك. "الإمبراطور مش هيعرف حاجة."
يا للوقاحة. مسكت نفسي إني أديله محاضرة عن غروره ده. لو حصل حاجة، هتبقى رقبته هو اللي هتطير على الأرض، مش رقبتي أنا.

"وأنت مين عشان تقول كده؟" سألته بدلًا من ده، وأنا بحاول أحافظ على هدوئي.

"ممكن أشوفك؟" هو سألني في المقابل.

"لو أنت فعلًا بتقول إن جلالته مش هيعرف، أومال بتطلب إذني ليه؟ أنا من ممتلكاته،" قلت بسخرية. كان عندي أمل إن ده يخليه يمشي. بس ده محصلش.

"يبقى أعتقد إني هدخل." كان فيه صوت دربكة من الناحية التانية للباب. فهمت إنه بيحاول يفتح الباب الجرار فقمت وقفت بسرعة.
"استنى—"

الباب اتفتح.

عينيا وسعت لما شفت ولد لابس هدوم بسيطة بيتسلل لجوه. كان صغير، يمكن في سني، طويل، ورفيع. مكنش شكله جندي، بس في نفس الوقت كان لابس أحسن من الرجالة العاديين. يمكن عالم أو قارئ طالع. كان لامم شعره الأسود ديل حصان قصير ورا ضهره، ومكنش لابس أي حُلي ولا أي حاجة تديني معلومة عن مكانته.

قفل الباب ورايا وبعدين بصلي، عينينا جت في عين بعض للحظة، وبعدين ابتسم، ونظرته هديت.

"أنتي بجد كاهنة القمر؟" حسيت إن تكشيرتي زادت.

هو كان بيحاول يلمح لحاجة؟








"أيوه، أنا هي. أنا آسفة لو مطلعتش زي ما تخيلتني،" رديت وأنا بفرد ياقة الروب الأخضر بتاعي وبظبط كمامي.

"لأ، لأ—" قال بسرعة. بعدين ابتسم ابتسامة صغيرة فيها حزن. "إنتي جميلة."

وشي احمر.

يا له من راجل ساذج. هو نسي إنه في مكان المفروض ميكونش فيه وإن ده ممكن يطير رقبته؟ مكنش عنده أي وقت يضيعه.

درت وشي بعيد. "أنت جيت هنا تسألني عن إيه؟"

"أسألك؟" ضحك. "ولا حاجة." مكنتش مصدقة، فبصتله تاني.

"خلاص، لو شفت اللي أنت عايزه، من فضلك امشي. لو جلالته عرف هتتعاقب عقاب شديد أوي."

"مش هيحصل،" طمني.

هو كان قصده 'مش هيتكشف' ولا 'مش هيتعاقب'؟ وعلى أي أساس كان واثق أوي كده؟

"وبعدين، أنا مش هنا عشان أبص عليكي. أنا هنا عشان أتكلم معاكي،" كمل كلامه. هو كان قرب أكتر وبقى واقف على بعد كام خطوة مني.

كان باين عليه مستريح في أوضتي، من غير أي خوف. أنا عمري ما قابلت حد مش متحفظ كده، وبيتعامل معايا بالبساطة دي.

"تتكلم معايا؟" كررت وراه. يا ترى إيه نواياه الخفية؟ "عايز تتكلم عن إيه؟"

"عنك."

عني أنا؟ محدش عمره جه يتكلم مع الكاهنة عنها هي، هما دايمًا كانوا بييجوا يتكلموا عن نفسهم بس.

فتحت شفايفي، بس مقدرتش أتكلم. هو خد باله.

"اسمك إيه؟" سأل. مسكت في شعري. محدش عمره سألني عن اسمي قبل كده—أنا دايمًا كنت بتعرف بلقبي، الكاهنة.

"اسمي لي شيانغ،" رديت بتردد. "بيتكتب بالرموز اللي معناها 'زهور الكمثرى' و'الريحة العطرة'."

عينيه وسعت.

"يبقى هو ده اسمك. ده اسم رائع، ولايق عليكي." ابتسم. "أخيرًا عرفت اسمك."

هو ليه مبسوط أوي إنه عرف اسمي؟

"شكرًا على مجاملتك. أنت اسمك إيه؟"

"اسمي روي، بس الناس بتقولي 'الشارِد' لأني زي القطط الشاردة. أنا زي مرسال أو صبي بيعمل مشاوير كده."

"آه، أنا افتكرتك المرسال."

"أحيانًا بعمل كده،" رد ببساطة.

"ليه؟ إيه اللي حصل للمرسال القديم؟" كان سألني مرة عن صحة مراته وابنه لسه مولود وأنا كنت بستلطفه.

"ولا حاجة، أنا لسه جاي القصر قريب وأعتقد إن فيه نقص في الوظايف الفاضية." ابتسم.

"أهلًا بيك في القصر إذن،" أنا قلت. هز كتفه.

"هو مكان حلو، بس برضه ميتقارنش بالدنيا اللي بره."

"هممم،" قلت وأنا سرحانة. أنا معرفش كفاية عن الدنيا اللي بره عشان أوافق أو أعترض، في النهاية.

الولد، روي، ميل لقدام لحد ما عنينا اتقابلت تاني. كان عنده رموش طويلة أوي بالنسبة لولد، وشفايفه كانت حمرا ورفيعة. يا خسارة إنه مجرد صبي بيعمل مشاوير. كمان كام سنة كان ممكن يبقى زوج ممتاز لو بس كان عنده منصب أعلى أو كان جندي.

أنا كنت بفكر في إيه؟

بصيت بعيد. أكيد أنا كنت فاضية زيادة عن اللزوم الأيام دي.

"إيه أكتر مكان بتحبيه بره القصر؟" سأل.

"أنا عمري ما خرجت بره،" قلت. "ماعدا لما كنت طفلة رضيعة، بس طبعًا أنا مش فاكرة."

"مش ممكن!" روي كشر، وقرب وشه أكتر. رجعت خطوة لورا وأنا مش متزنة، وإيديا متشابكة ومحطوطة على صدري من المفاجأة. هو مكنش واخد باله قد إيه أنا مكنتش مرتاحة. "ولا مرة في حياتك كلها؟ إنتي عندك كام سنة؟"

"تسعـ... تسعتاشر؟" همست. ضحك.

"أنا لسه مكمل تمنتاشر، وإنتي شكلك أصغر مني بسنين!"

"لأ، مش أصغر،" اعترضت.

"بس أنا مش مصدق إنك عمرك ما خرجتي من القفص ده طول تسعتاشر سنة. بالنسبالي ده يبدو زي الجحيم." عينيه اتحركت على الحيطان اللي كان متعلق عليها ستاير مطرزة برسم طيور الكركي والزرع الكتير اللي في قواوير محطوط في أوضتي.

"إيه النفاق ده،" قلت. "أنت لسه قايل إنه مكان جميل من شوية."

"أيوه، بس الأماكن الجميلة ممكن تبقى جحيم برضه،" قال وهو بيفكر. وبعدين ابتسم ابتسامة واحد غرقان في التفكير.

"أنت بتتكلم بطريقة غريبة أوي. زي الرجالة العواجيز بالظبط."

"هاها!" ضحك، وعينيه ضيقت وسنانه بانت. "مكنتش أتخيل إن الكاهنة بتهزر كده!"

"أنا مش بهزر،" أصريت. "عمومًا، أنا مش شايفة إن وجودك هنا كويس ليك. لو حد عرف هتقع في مشكلة كبيرة."

"أيوه، عندك حق، أنا لازم أمشي." ابتسم تاني. "بس أنا هرجع تاني."

"أنا أفضل إنك مترجعش،" قلت ببرود ولفيت تاني لمكتبي. "من فضلك امشي."

"أوعدك إني هرجع تاني، يا سيدة لي شيانغ."

لفيت شوية عشان أبص عالباب بس هو كان مشي خلاص، والباب اتقفل وراه. غريبة أوي؛ كان سريع وهادي فعلًا زي القطط. وأنا بقالي كتير أوي مسمعتش حد بيندهلي باسمي. ابتسامة صغيرة هربت من شفايفي قبل ما أرجع لوشي الجامد بتاع كل مرة تاني.

الليلة دي كانت ليلة مهمة. مكنش ينفع أسيب أي حاجة من أفكاري تشتتني. لا روي، ولا الدنيا اللي بره، وأكيد مش وعد ضعيف زي ده. بس كان عندي حاجة أعملها.

سبت ريشة الخط بتاعتي مرة تانية، ولعت شوية بخور خشب الصندل، بعدين فتحت شباك البلكونة الرفيع، والهوا البارد دخل. ميلت لبره، وشعري بيطير مع النسمة، وبصيت فوق للنجوم والقمر.

"أرجوك،" همست للقمر، اللي كان دايمًا بيسمعني، "أرجوك متخليهوش—روي—يتمسك." بعدين عضيت على شفايفي. أنا كنت بدعي كده لكل شخص بيدخل أوضتي، بس المرة دي حسيت بإحساس مختلف.

كان فيه إحساس بعدم الراحة في صدري، وأنا ببص للسما المليانة نجوم، لقيت نفسي لأول مرة من مدة طويلة بتمنى إني مكنتش كاهنة.

تعليقات